المتتبع لخريطة التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط لا بد وأنه يعاني من الحيرة والضياع لاختلاط الحابل بالنابل وتصاعد عثرات ما سمي بالربيع العربي.
فربيع العرب أو خريفهم أو حتى شتاؤهم بات متاهة التائهين والعقلاء خاصة مع تغير المواقف والولاءات وتعدد العناوين في عديد الدول التي عاشت تجربة الربيع العاصف. دول وأحزاب وفصائل وجماعات ومليشيات ومؤسسات وتجمعات وتنسيقيات وحتى صحوات غيرت خارطة تحالفاتها وغير معها البعض زعاماته. فمن مع من هذه الأيام؟ ومن يتحالف مع من؟ ومن يتآلف مع من في الباطن والعلن؟
فوضى عارمة تحيطها نزاعات التغير والتبديل أو التشدد والتعصب أو حتى الحمية والاستنفار. فالأمس القريب كنا دولا ممزقة مشرذمة واليوم أصبحنا شيعة وسنة وآشوريبن وكلدانين وآزيديبن ودروز وسريان والقائمة تطول من التصنيفات التي لم تعن سوى شرذمة التشرذم.
أصبحنا اليوم تماما ما ضحكنا عليه ورفضنا تصديقه بالأمس في المسرحية الشهيرة كاسك يا وطن. اليوم بتنا في قلب مسرحية يومية متحركة يقتل البعض البعض الآخر ليس فقط على أرضية الانتماء السياسي والطائفي والعرقي بل حتى ما يتعدى حدود البشر. فلو كنت تمثالا في مدينة نمرود التاريخية أو كتابا في مكتبة الموصل أو سجادة في سوق حلب فإنك حتما ستموت في وطن المجانين.
وطن تجلس فيه إسرائيل هادئة مطمئنة وهي تشهد انتحار العرب ووداعهم لآدميتهم وانقلابهم على تاريخهم المشرف وانتصارهم للتخلف والفرقة والانقسام إما راضين أو مكرهين.. صاغرين أو راغبين.
وطن لم يعد في نشرات أخباره اليوم سوى القتل والقصف والدمار والتفجير والانكسار بينما لا تجد خبرا عن بحث علمي أو إنجاز معرفي يذكر. فضائيات تطبل لثقافات أخرى وفضائيات تنطبل بالترويج لقصة هذا على ذاك.
وطن في تاريخ الشعوب يتمنى فيه كثيرون لو أنهم لم يولدوا في هذا الزمان..