دعوة الفضائيات العربية… لإعلان حرب على مخالفات السير:…

خميس, 2015-04-16 20:01
أسمى العطاونة

شاهدت مؤخرا برنامجا قصيرا على إحدى محطات «فرانس 24 «، والذي يتحدث عن دور الحكومات والمحطات في خلق التوعية لدى المواطنين للحد من حوادث السير والموت من جراء ذلك. تحسرت كثيرا وتنهدت على حالنا، عن أي قوانين نتحدث؟ وعن أي توعية؟ ألا يجدر بنا الحديث عن حكومة في بلد كلبنان مثلا في أن توفر الكهرباء لمواطنيها أولا؟ وهل يسعنا الحديث عن الموت الذي سيعتبر عاديا و»لا شيء» مقابل البراميل والجوع و»داعش» دون الشعور بعقدة ذنب أو تأنيب ضمير؟!
هل يحق لنا أن نعامل أنفسنا كبشر ونحاول أن نحافظ على ما تبقى لنا من إنسانية على قيد الحياة، علنا نسير أخيرا في طريق معبد من الأمل؟!
تساؤلات خطرت في ذهني، وعدت وتذكرت سنوات عشتها في بلد خليجي لا حروب فيه ولا جوع، بلد يفتخر فيه مواطنوه بكمية السيارات الخاصة التي يمتلكونها ويستضاف حكامه في برامج «أوتموبيل» فرنسية مخصصة للحديث عن هواة السيارات، يفتخرون أمام عدساتها بالكشف عن سيارات من ذهب وأخرى نقش عليها إسمهم الشخصي..إلخ.
قلبت صحف البلد الثري المحلية هذا، لأتصفح أخبار الوفيات وأتأكد بأن للسير في بلادنا قوانين تختلف من بلد لآخر، ربما ولكنها تتشابه جميعها في عدم احترامنا لها. سواء في لبنان بدون كهرباء أو في دول الخليج، حيث الثراء، ووجدت بأننا نتحد جميعنا في التنفيس عن مآسينا في وجه مواطن آخر. فتصبح أزمة قطع الكهرباء، سببا كبيرا لشتم المارين على خطوط المشاه في الشارع، وتصبح سياراتنا ملجأ صغيرا نتشبث فيه بمقود، ونشعر فيه بقوة خارقة نستطيع من خلفها السيطرة على الآخرين، فبدعسة قدم نستطيع قتلهم، وبإرسال نص تلفوني قصير على الـ»واتس أب» نستطيع دهس عربة طفل حلم بأن يكبر يوما في مكان ما. نصبح متمردين و»زعران» نشعر بالسطوة والتسلط على من يحيطنا، على شرطي المرور الذي «نرشيه» إن صادقناه فيعطينا تذكرة خضراء لقتل آخرين. نصبح متمردين ليس على ظلم حكامنا بل على أمثالنا من المظلومين من أبناء جنسنا ومواطنين «غلبانين» يحلمون بغد أفضل مثلنا.
يكبر عشقنا لأنانا حين «ندعس» وبدون «مكابح» لأننا نحب السرعة ونريد للأشياء أن تمر سريعة وللوقت أن يأخذنا لمغامرة تلهينا، نريد «فرض ذكوريتنا» ومعالجة نقص «أنوثتنا» في الإلحاح وفرض سرعتنا على العالم الفقير أمامنا. فتصبح الحياة مجرد رهان على «كف عفريت» وخيار الموت يصير الأسهل المنقوش في لا وعينا العام.
ورغم جميع الإشارات والرادارات والمخالفات والإعلانات التي تأمرنا بالتخفيف من السرعة، إلا أن العديد من السائقين من الحكام يعطون المثل بعدم احترامها والتحايل عليها، «مين بسترجي يخالف المسؤول»؟ وكأن الأمر يخص حيواتهم فقط!
لقد عشت وكما قلت سابقا في مقالاتي في دولة خليجية، وربما تكون، دون مبالغة، البلد الذي يشهد أكثر حوادث السير دموية في البلاد العربية، حيث يذهب شباب في مقتبل العمر ضحايا لجهلهم وقلة إكتراثهم بحياتهم.
أعيش حاليا في فرنسا وأقارن كعادتي ما بين بلادنا وبلادهم، عاداتنا وعادتهم، تعريفهم للقانون والمسؤولية والإلتزام، محاولة لتقديم الأفضل لكلاهما، فأقارن بين عدد موتانا وموتاهم، وبين عقلية السائق والراكب الفرنسي وعقلية من رأيتهم وعشت بينهم هناك، لأجد أن المقارنة أصلا لا تجوز.
إن الفرق شاسع يتشكل في اختلاف عقلية المجتمعين ومدى احترام الفرنسي بشكل عام للإلتزام بالقوانين ومدى تمرد العربي على القانون وعدم اكتراثه للخطر الذي قد يودي بحياته.
قارنت بين استجابة المجتمعين للقوانين «المدنية» لأرى أهمية تطبيق قوانين السير والأمان من ربط الحزام وتخفيف السرعة واحترامها لدى الفرنسي، وعدم الإحترام لدى السائق العربي، حيث يرجع الأسباب غالبا إلى ما يكتبه له «القضاء والقدر» فإن قتل هو وأبناؤه في حادث سير فهذا بالنسبة إليه سيعود إلى رغبة القضاء والقدر الخالصة، ولن يعيد ذلك أبدا إلى عدم احترامه لقوانين السلامة المرورية مثلا. 
ناهيك عن شباب صغار في مقتبل العمر ممن يتخذون المقود «فرض عضلات» ليشعرون بالرجولة في محيطهم. فنراهم في فيديوهات عدة يتفاخرون بنشرها على «يوتوب» والـ»فيسبوك»، يقودون سيارة الـ«4 ويلز» عن طريق إيقافها على عجلتين فقط، أو يتدربون على سباق جنوني في شوارع عمومية.
لا أعلم إن كان السبب مجرد مراهقة يتم فيها «عمل البدع» لجذب الانتباه أم هو الجهل وعدم احترام الحياة الخاصة «حياتهم وحياة الآخرين».

حملات توعية 
عرضت قناة «فرانس دو» فرنسا الثانية في برنامج «تيلي ماتان» أو تلفاز الصباح، ثلاثة فيديوهات قصيرة لأكثر الإعلانات المؤثرة التي تتعلق بحوادث الطرق. واختارت من بين هذه الإعلانات أكثرها قوة وإثارة في نفس المشاهد الفرنسي لعله يعتبر ويفكر قبل أن يزهق روحه وأرواح الأبرياء من حوله. والفيديوهات الثلاثة المختارة تنوعت في عرض أسباب الحوادث بين شرب الكحول، السرعة وارسال المسجات القصيرة عبر الهاتف النقال.

المخالفة المرورية قد تنقذ حياتك من الموت

الفكرة الأولى أتت من الولايات المتحدة للحديث عن استخدام الهاتف المحمول وكتابة الرسائل خلال القيادة. حيث يعرض فتيات يافعات يقضين وقتا ممتعا، تتحدث فيه إحداهن إلى من تمتلك المقعد لتظهر الأخيرة مشغولة بالرد على مسجات تأتيها عبر الهاتف المحمول، فيما يدها الأخرى على المقود في محاولة منها للتحكم به. ونرى في الفيديو، بأن تركيز الفتاة يتشتت بين حديث صديقتها معها، وبين الرد على مسجات الهاتف، بدلا من التركيز في الطريق مقابلها. فتأتي نتيجة التشتت وعدم التركيز، بأن تصدم السيارة وتقتل الفتيات، ليأتي شرطي الحوادث ويخبرنا بأنه رغم كره الشباب له بسبب مخالفاته، لو رآها، لأعطاها مخالفة أنقذت حياتها من الموت!

نيوزيلاندا تعطيك فرصة 
وفي نيوزيلاندا، حيث يعرض فيديو إعلاني قصير هدفه التوعية ضد حوادث السير، نرى رجلا متوجها إلى عمله، يستقل سيارته وآخر مع ابنه في الخلف.
يبدأ الفيديو بالرجل المتوجه إلى عمله وهو مسرع أثناء قيادته لنراه ثابتا وواثقا من توجهه، ومن دون أي تردد في تخفيف السرعة ليتفاجأ بسيارة الأب وابنه أمامه. طبعا كلنا ننتظر بأن ينتهي الفيلم بسرعة ويموت الأب والإبن، كما نتخيل جراء سرعة الرجل، ولكن ما يحدث هو أن الفيديو يعرض لحظة العودة إلى الوراء والتفكير للحظات قبل الدعس على «البنزين» فنرى الأب والرجل العامل يخرجان من السيارة، ليتوقف الزمن للحظات ما قبل الإرتطام، وليدور حوار ما قبل الكارثة بين الإثنين، فيقول الرجل العامل للأب «أنا متأسف، كم تمنيت لو أنني خففت من سرعتي»، فيجيبه الأب «أتوسل إليك، إبني في الخلف» فيكرر الرجل العامل «أعتذر، لأننا كنا نقود سيارتنا بسرعة» فنرى الأب وقد خسر فرصة نجاته، يبكي قلقا على مصيره ويعود لسيارته ويلقي نظرة أخيرة ومودعة لإبنه قبل أن تصدمه سيارة الرجل المسرع! الفيديو قصير ولا يتجاوز الدقيقتين، يعرض في فنزويلا كإعلان رسمي بين الإعلانات التجارية الأخرى.

في بريطانيا.. اختاروا الغناء 
أما في المركز الثالث، فقد تربع إعلان بريطاني على العرش، حيث يعرض خطر القيادة تحت تأثير الكحول والسكر، فنرى سيارة شباب في مقتبل العمر مقلوبة رأسا على عقب، محاطة برجال الإطفاء والمساعدات الأولية، يغنون في الوقت نفسه الذي يحاولون فيه انتشال الجثث والمصابين، مرددين كلمات «لقد كانت سهرة رائعة، انضم إلينا مصطحبا ابتسامتك فنحن سنحتفي بك»، لينتقل المشهد إلى أول إسعاف تتلقاه المصابة، ونرى المختص يحاول إنعاشها مكملا ترديد كلمات الأغنية «هيا فلنحتفل»، «فلنحتفل جميعنا ونمضي أوقاتا سعيدة» وينتقل بنا الفيديو إلى غرفة الطوارئ حيث يتابع الأطباء عملية الإنعاش متابعين ترديد كلمات الأغنية نفسها «فلنحتفل جميعنا، ونمضي وقتا، ممتعا» ولتظهر في الفيديو إحصائية تخبرنا بأن عدد الوفيات جراء حوادث السير بسبب السكر وتأثير الكحول تراجع من 1640 إلى 230 حادث خلال خمسين عاما، ونعود إلى غرفة الإنعاش حيث تصرخ الطبيبة بكلمة الأغنية «هيا، قومي» وينتقل الفيديو إلى باب منزل الضحية، حيث يتوجه عاملان للتصريح بخبر الوفاة للأم مرددين «إنه إحتفال»، لتنهار الأم من الصدمة ويتم عرض جملة «ولكن فقط هؤلاء من الـ230 يعتبرون كثيرا جدا».
ما يهمني بأن أذكر أيضا بأننا في بلادنا مسؤولون عن قتل الأبرياء ليس لأن القدر أراد ذلك بل لأننا لا نحترم أرواحنا وحيواتنا وأرواح الآخرين، ونتصرف بأنانية وجهل تجعلنا نقتل من نحب وخاصة الأطفال حين لا نعلمهم احترام ربط حزام الأمان أو حين نفتخر بسرعتنا وكأنها إثبات لرجولتنا وقوتنا الجسدية.