لا شيء يؤلمني في الأعمَاق أكثر من رؤية مُوهبةٍ إنسانيّة تتلاشَى وتتحلّلُ وتتمزّق تحتَ مخالبِ الواقع المتوحّش الذي لا يعرفُ للرّحمة معنَى.
حقا، إن ذلك ليشقّ عليّ، وأكادُ أتشظّى من الألم أحيانًا، وأشعرُ بروحي تتمزّق.
لقدْ عرفتُ شبابًا يفيضُ حماسَة، ويقطرُ موهبَة وحيويّة، حتى إن بعضهُم حدّثني بشغفٍ عظيمٍ عن طُموحاته، وفتَح أمامي عُلبةَ الآمال، ولمحتُ جنُون العبقريّة يلتَمعُ في عينيْه والأماني الحُلوة تتَراقصُ في ابتسَامته..
ثمّ مرت سنينٌ بعد ذَلك، وتَصادفتْ طريقي من جديدٍ من كثير من هؤلاء الشّباب. فكانتْ الصّدمة نفسُها والمرَارةُ ذاتُها في كلّ موقف، ومع كلّ شخص: لقد انطَفَأ ذاك الوَهَجُ وجفّت تلك الابتسَامةُ وخفتَتْ الأصواتُ فلا تَسمعُ إلّا همسُا.
...تخلّى الكثيرُون عن أحلامهم الأثٍيرة وقرّروا أن يعيشُوا الوَاقع، ولأكُون أكثرَ إنصَافُا، قرّر الواقعُ أن يَعيشُوه...
هل سَبق أن رأيتُم قائدُا عظيمُا، أو جنديّا شُجاعًا، خانَهُ السّلاح، أو انهَارت الصّفوف فجأةُ من حَوله، فوقَع أسيرًا بين أيدي عَدُوّ متربّص لَدُود..؟
والآن تذكّروا معي ملامحَ ذلك القَائد، وتعَابير وجهِ ذلك الجُندي الشّجاع: إنهَا مزيجُ من القَهر، والغضَب، والتّعب، والعَتب والسّخريّة المُريرَة، وكذَلك أوحَت وجُوه أولئك المَوهوبينَ الذين ترجّلوا عن أحلامهم ذَات مسَاء حَزين.
نقلا عن صفحة الكاتب