بركاتك يا جنرال، يا مُنقِذ ..

خميس, 2015-04-23 14:16
عالي الدمين

في هذه الأيام الرتيبة بالتحديد، كما كُل الأيّام. لاضير إن حاولنا، تقليداً ومُسايرةً للرضائييّن التطبلييّن، جعل عقولنا، وإن عن طريق الإكراه، تؤمِنُ بأنَّ الجنرال عزيز، رجلٌ مُبارك، وجالبُ منافِع كثيرة على البلاد والعباد. مثل ذلك أن نقولَ مثلاً، لقصد التمويه والمُبالغة التفاخرية، بأنه إذا وضع يدَه (الطويلة!) على ضرع البقرة الفارِغ أصبح بشكلٍ فجائيّ/ لمح-بصريّ مُكتظاً باللّبن اللّذيذ. لدرجةٍ يصبحُ معها ذلك الضرع مُوشكاً على الإنفجار من شدّة الاكتظاظ. هذا مع ضرورة الأخذ في الحسبان الأصَل هُنا، رمزيّة كُلاًّ من: الضرع الفارِغ ( حالة البلاد قبله)، واللّبن(انجازات نِظامه الصفّر!)، في اسقاطِهما أولاً على واقعنا الجحيمي المُعاش. و قِياسِهما ثانياً في نفس الآن على خلفيتنا الثقافية المرجعيّة التقليدية، التي يُشكلانِ فيها أبعاداً رمزيّة/معيشية خاصةً. هذا، لعلّنا نفهمُ مايريمي إليه مُناصروه بهذه المُقاربة الأحلاميّة الزائفة!

إنَّ البركة في حالة صاحبنا العظيم، تنفكُّ بشكلٍ مُطلق عن حمولتِها الميتافزيقية المافوق-طبيعية الثقيلة وهي تتجسّد على يديْه، لتصبحَ واقعا ملموساً، كائناً، حياً؛ أي بالتالي واقعاً: نتذوقه، ونشمه، ونلمسه. حتى لاتُتيحَ الفرصة في حجمها الأصغر، للمُعارضين من أمثال(نا) خيّار النفي أو التكذيب. وهما خيّارانِ أصبحا مع الزّمن يُشكلانِ عادة دنيئة معروفة عندنا، إزاء ما جسّده فخامته على أرض الواقع من مُكتسباتٍ ثوريّة في مُعظم مناحي الحياة، حياتنا نحنُ المواطنين البؤساء.
وهي بركةٌ، لايعي قيمتَها الحقّة، غيرُ المُطبلين له، المُنزهين له عن الصغائر، الواقعين في عبادتِه حالة عبادة نِديّة لاواعيّة تُعلِن:" ماشئتَ لا ماشاءت الأقدار" حتى آخر الشطر الهرطوقي المديحي على نحوٍ أعمَى!
ولعلَّ، أولئكَ المواطنينَ المقهورين، اليوم في لعصابة، الواقفين من ضمن صفوفٍ حشريّة نمليّة مُنتظرينَ مرورَ فخامتِه، حسبَ العادة الكرنفالية، ليُسلِّّموا عليه بأيديِهم المُرتعدة. فيعقبونَها بعدَه وجوهَهَم بالمسحِ تارةً، والدّلك تارةً أخرى، طلباً لبركة فخامتِه العجيبة، وحدَهم الذين يعرفونَ سرّ تلك البركة الغرائبي!
وفي العادة حالة البركة الطارئة هذه، محصورة على أجواء وظروف الترشحات الانتخابيّة، وهو الشائع المعروف الذي رأيناه في السابِق القريب عند البعض، من الساسة الفاسدين، والأئمة الطامحين لولاية المشيخة التقليدية. ولاشكَ أنها سلاحٌ إيدلوجي قويّ، قادر على تسطيح الوعي، وتفريغ العقل من مضمونِه. 
لكنَّ، فخامة الجنرال عزيز، شذَّ عن القاعِدة المعروفة بعيداً، هذه المرّة. فهو بعدَ أن فهم أنصارهَ بأن دعوى البداية الزائفة: "رئيسُ الفقراء" أصبحت غير قادرةٍ على تسطيح الوعي الشعبي، وبالتالي القدرة عليه، أخترعوا لنا، دعوى المرحلة هذه: البركة الأسطورية، ونِظام فخامتِه في عزِّ فسادِه، وفشله، كنوعٍ من التغطية الماكِرة. وليسَ لنا حتى نتأكد من أمر تلك البركة، سوىَ النّظر في ولاء شيوخ القبائل، وقصائد الشعراء القبلييّن التابعين لهم، وكذلك رجال الدّين. وهذا، مايُغيّر من موضوع البركة إلى معنىً آخرَ غير الأوّل، وهو مُباركة هذه القوى الظلاميّة لنِظامِه الفاسد، رغمَ ذروة الفساد الخطيرة التي بلغَ في وضح النهار العلنيّ!

***

في العموم، فحتى الآن، لم يتغيّر أيُّ شيءٍ على واقعنا الموجوع، اللّهم إلا إذا كان تغيّراً أكثر كارثيّة وسلبيّة. ومع كُلِّ ذلك فإنه يجبُ علينا الاعترافُ الديمومي ببركة فخامتِه العجائبيّة، حتى لاتغضبَ علينا السماء العُليا، مولاتُه المُمثل لظلّها الأرضي هنا عندنا، فُتعاقِبنا معاقبةً شديدة الوقع على نِكراننا الماكِر ذاك. كأن تسحبنا من زمنِ فخامتِه المُبارك وترتدَّ بنا إلى الوراء، إلى ماقبل عقود من الزّمن. وهو مالانتمنّاه، فهو رغمَ كلَّ ذلك فإنه غالٍ علينا؛ لا أبدلنا الله بأفضحَ منه!

نقلا عن صفحة الكاتب