عالم خالٍ من السلاح النووي ـ وحدها إسرائيل فوق القانون

جمعة, 2015-05-01 00:01
د. عبد الحميد صيام

بدأت في نيويورك يوم الاثنين أعمال مؤتمر المراجعة التاسع للأطراف المتعاقدة على المعاهدة الدولية لعدم الانتشار النووي وعددها 190 دولة، كان آخرها فلسطين. وتترأس أعمال المؤتمر الذي يستمر أربعة أسابيع السفيرة الجزائرية طاووس فروخي. 
ورأينا أن نقدم مراجعة لمؤتمر المراجعة التاسع، نظرا لأهمية الموضوع الذي يبحثه المؤتمر والذي يعني كل سكان البشرية، لأن حياة كل فرد فينا مهددة في كل ثانية، ما دامت هناك منشآت تنتج سلاحا نوويا، أو أنابيب طرد تخصب اليورانيوم، أو ترسانات من الصواريخ البلاستية العابرة للقارات. فقد تقع أخطاء تقنية قاتلة، كما حدث في ثري مايل آيلند، بالولايات المتحدة عام 1979، ومجمع شرنوبل بجورجيا عام 1986، أو بطريقة متعمدة كما حدث في مدينتين يابانيتين هيروشيما وناغازاكي عام 1945 اللتين ذاقتا طعم الموت بالسلاح النووي لأول مرة، ونتمنى أن تكون الأخيرة. ونود أن نشارك القراء في بعض الملاحظات المتعلقة بمنطقتنا العربية التي تخلفت عن ركب الأمم، فلا سلاحا نوويا طورت كإسرائيل ولا تكنولوجويا نووية لأغراض سلمية أنشأت كإيران.

خلفية ضرورية

اتفقت الدول النووية الخمس فيما بينها على معاهدة تغلق باب النادي النووي ليضم فقط الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ووريثته روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، وتحريم دخول النادي على أي عضو آخر. ولإقناع الدول غير النووية بعدم محاولة دخول النادي النووي، قدمت الدول النووية الخمس تنازلين أساسيين. أولا- وعدت الدول النووية بخفض ترسانتها من الأسلحة النووية تدريجيا، وصولا يوما ما إلى عالم خال منها؛ ثانيا- من واجب الدول النووية، بل لزاما عليها، مساعدة الدول غير النووية في تطوير التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. كما توكل المعاهدة القصيرة جدا والمكونة من أحد عشر بندا فقط، للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مهمة التفتيش والتحقق ومراقبة أداء المنشآت النووية، وتماشيها مع معايير السلامة والضمانات. وتنص المعاهدة على ضررورة إجراء مراجعة لمدى تنفيذ بنودها مرة كل خمس سنوات، على أن يكون المؤتمر فرصة لتقديم الشكاوى ضد الدول النووية التي لا تعمل على تخفيف ترسانتها، أو ضد الدول غير النووية التي تحاول أن تخدع المجتمع الدولي بتطوير أسلحة نووية في غفلة من العالم، أو تواطؤ من الدول العظمى، كما فعلت الهند وباكستان.
إذن تقوم المعاهدة على ثلاثة أعمدة رئيسية تعامل كرزمة واحدة ولا يجوز الانتقاء: نزع السلاح النووي، عدم الانتشار واستخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. وبناء على هذا الثالوث المتكامل طرحت المعاهدة للتصديق عام 1968 ودخلت حيز الإلزام عام 1970. وقد انضمت إليها 190 دولة وبقيت خارجها ست دول هي، إسرائيل وجنوب أفريقيا في فترة الأبرثايد والهند وباكستان وكوبا. عادت جنوب أفريقيا وانضمت إلى المعاهدة عام 1991 مع بداية تفكك نظام الأبرثايد، وكذلك كوبا انضمت إليها عام 2008 ثم انسحبت كوريا الشمالية من عضويتها عام 2003، ولم يبق خارجها الآن إلا إسرائيل والهند وباكستان وجنوب السودان وكوريا الشمالية المنسحبة بعد بقائها في العضوية 17 سنة.

المراجعة الدورية

مسألة السلاح النووي أمر في غاية الخطورة، ومن المفروض ألا يترك لحسن النوايا، بل يجب أن تكون هناك معايير قاسية جدا للمراقبة والتحقق والتفتيش. وقد عقد مؤتمر المراجعة الأول عام 1975 ومن بعدها يعقد مرة كل خمس سنوات لمراجعة مدى التقيد بأحكام المعاهدة ومراجعة الانتهاكات والاستماع إلى تقرير من الدول النووية عن مدى التزامها بخفض ترسانتها النووية، وعن أفضل الأساليب لتعميم المعاهدة، بحيث لا تبقى دولة خارج هذا الإطار وتعميم ثقافة نزع السلاح وتمتين العلاقات بين المجموعتين في مجال تبادل التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وتعزيز إجراءات السلامة والتفتيش والإجراءات الاحترازية. بدأت الخلافات تتسع بين المجموعتين. فقد فشلت مراجعات 1980 و1990 و1995 و2005 ولم يصدر عنها بيان ختامي، بينما نجحت مراجعات 1975 و1985 و2000 و2010 بخروج بيان ختامي بالإجماع. 
وقد كان الخلاف منصبا أساسا على تنفيذ الدول النووية البند السادس من المعاهدة المتعلق بتخفيض الترسانة النووية وعدم تطوير أسلحة نووية جديدة، بالإضافة إلى ذلك تطورت نقاط خلاف حول المعاهدة الدولية لحظر كافة التجارب النووية، التي لم تنضم إليها بعض الدول النووية مثل الولايات المتحدة وروسيا. ونقطة الخلاف الأخرى حول مدى تعاون الدول النووية في نقل وتطوير التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية لدى الدول النامية، وأخيرا مسألة تعنت إسرائيل بعدم الانضمام للمعاهدة كي يتم الإعلان رسميا عن منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وتتفق على هذا الهدف جميع الدول العربية، إضافة إلى إيران وتركيا.

العرب يلدغون من الجحر مرة وراء مرة

في مراجعة عام 1995 جاءت الدول النووية، وعلى رأسها الولايات المتحدة بفكرة التجديد الدائم للمعاهدة، على أن يبقى مؤتمر المراجعة ينعقد مرة كل خمس سنوات. في ذلك المؤتمر كان يرأس المجموعة العربية وزير الخارجية المصري عمرو موسى. وقد أصر على عدم التجديد الدائم إلا إذا انضمت إسرائيل للمعاهدة واعتمد المؤتمر رسميا قرارا بإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وكاد المؤتمر أن يفشل في التجديد الدائم، لكن الضغوط التي مورست على بعض الوفود العربية، وعلى عمرو موسى بالتحديد، أدت في النهاية إلى التجديد الدائم واعتمد المؤتمر قرارا ينص على العمل على «إعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وبقية أسلحة الدمار الشامل»، في إشارة خبيثة للأسلحة الكيميائية التي كانت تقتني بعض الدول العربية كميات منها.
بعد اعتماد القرار أدار الغرب ظهره للعرب ولم يكترث لصراخهم وعويلهم. وفي الوقت نفسه بدأت إيران تطور تكنولوجيا نووية تشير الشبهة حول إمكانية تحويلها إلى تكنولوجيا سلاح، رغم إصرار إيران على أنها للأغراض السلمية. وبمهارة دبلوماسية انضمت إيران للمجموعة العربية مطالبة بإلزام إسرائيل أولا بالانضمام للمعاهدة قبل مطالبة إيران بالتخلي عن برامجها: وكان العرب يصرون على أن ذكر إيران في البيان الختامي لا بد أن يسبقه ذكر إسرائيل. وقد أفشل العرب وحلفاؤهم من الدول النامية مؤتمر 2005 ولم يصدر بيان ختامي بسبب التعنت الغربي في موضوع الشرق الأوسط، وقيام إدارة بوش بتطوير أسلحة نووية جديدة وإقامة تعاون نووي مع دولة مثل الهــــند، الدولة غير العضو في المعاهدة. وتبين أن حسن النية التي أظهرتها المجموعة العربية عام 1995 كانت خدعة كبيرة مررها الأمريكان عن طريق الضغط على حسني مبارك، الذي عنّف عمرو موسى وطرده بعدها من الخارجية وألقى به في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
في مراجعة عام 2010 أصرت المجموعة العربية مرة أخرى على ألا يصدر بيان ختامي إلا إذا تم تفعيل قرار 1995 بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. كان موقف الولايات المتحدة أن إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية يجب أن يسبقه تحقيق السلام الشامل، كي تطمئن كل الدول بأنها مقبولة في المنطقة وجزء من نسيجها. واستدعى الوفد الأمريكي مجموعة من السفراء العرب إلى واشنطن للضغط عليهم، لكن الوفد العربي أشار إلى أن إيران تعاقب على نواياها، بينما هناك دولة من المؤكد أنها تملك سلاحا نوويا تكافأ على انتهاكها للمعاهدة، بل وانتقدوا رئيس اللجنة الدولية للطاقة الذرية، الياباني يوكيا أمانو، الذي وجه نقدا لسوريا لانتهاكها بنود الاتفاقية، حين حاولت تطوير تكنولوجيا نووية في دير الزور، وقامت إسرائيل بتدمير المنشآت عام 2007 بينما لم يوجه كلمة واحدة ضد إسرائيل.
وكي يضمن الوفد الأمريكي وحلفاؤه من الدول المتصهينة حماية إسرائيل ونجاح المؤتمر طرحوا فكرة عقد مؤتمر خاص حول موضوع إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية عام 2012 في فنلندا. فرح القوم وهللوا للقرار واعتبروه انتصارا، وتم الاتفاق بعدها بالإجماع على الوثيقة الختامية المكونة من 28 صفحة. بعد انفضاض المؤتمر أعلنت إسرائيل فورا رفضها للمؤتمر وعادت الولايات المتحدة وتنصلت عن فكرة عقد المؤتمر، حيث أعلن مستشار الأمن القومي آنذاك جيمس جونز أن بلاده لديها تحفظات على عقد المؤتمر، وأنها لن تضغط على إسرائيل لحضور المؤتمر. وجاء عام 2012 وانتهى ولم يعقد المؤتمر وذهبت جهود المجموعة العربية هباء مرة أخرى.

الموقف العربي من المراجعة الحالية

تعمل المجموعة العربية بشكل جماعي (خاصة سفراء مصر والجزائر والمغرب) لتحقيق الأهداف الأساسية التي تخدم الأمن القومي العربي بشكل عام، بغض النظر عما يجري من تطاحن وتراشق واتهامات بين الدول العربية هناك. وتتلخص الأهداف العربية من المراجعة الحالية في نقاط أساسية:
- التأكيد على قرار 1995 الذي ربط التجديد الدائم للمعاهدة بقبول إعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وهذا يعني ضرورة قيام إسرائيل بالانضمام إلى المعاهدة بدون شرط أو قيد تحقيقا لعالمية المعاهدة؛
- إن رفض إسرائيل للانضمام للمعاهدة يعني أن الأمن العربي مهدد فعلا لأن الدول العربية جميعها انضمت للمعاهدة؛
- إن الأمن والسلم الدوليين لا يتحققان بشكل شمولي إلا في ظل نزع شامل للسلاح النووي. وهذا يعني أن الدول النووية عليها أن تثبت للمجموعة الدولية مصداقيتها في التخفيض من ترساناتها النووية، كما جاء في كلمة سامح شكري نيابة عن المجموعة العربية، حيث أكد التزام مصر ودول المجموعة بتنفيذ أعمدة المعاهدة الثلاثة. «لكن التجديد الدائم للمعاهدة عام 1995 لا يعني أن الدول النووية يمكنها امتلاك السلاح النووي بشكل دائم، وأن تعمل على تطوير أنواع جديدة من السلاح النووي وتقوم بالبحوث والتجارب لتحديث ترسانتها النووية». ودعا سامح شكري الأمين العام والدول الراعية للمعاهدة بالعمل بشكل مسؤول على إعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. 
- تقف الدول العربية موحدة في موضوع عقد مؤتمر خاص حول نزع السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط ودعوة إسرائيل للانضمام للمعاهدة. وهذا المؤتمر الذي أقر في مراجعة عام 2010 يشكل الفرصة الأخيرة لاستعادة المصداقية لمعاهدة عدم الانتشار النووي.
تنتهي أعمال المؤتمر يوم 22 مايو القادم ولا نعرف هل سيلدغ العرب من الجحر نفسه مرة أخرى، أم أنهم سيقفون وقفة ثابتة حول الإصرار على عالمية المعاهدة وتخلي الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة عن سياسة تدليل إسرائيل ومعاملتها كأنها دولة فوق القانون وما ينطبق على العالم أجمع لا ينطبق عليها.