التفّ الجزائريون من دون استثناء، حول القرارات الحاسمة والسريعة التي اتخذتها الدولة الجزائرية من خارجيتها، التي ردّت على تطاول الموريتانيين على الجزائر، وداخليتها التي قاطعت اجتماعا لوزراء الداخلية العرب في نواقشط، ومنهم من اقترح رفع القرار إلى ما فوق الردّ بالمثل، لأن ما قدمته الجزائر لموريتانيا على مدار نصف قرن، كان فيه الكثير من الإيثار، إلى درجة أن الرئيس الأسبق مختار ولد دادة في عهد الرئيس هواري بومدين، تزوج من جزائرية، وامتلك مسكنا في الجزائر، وكان يدير بلاده من العاصمة الجزائرية، حتى تخاله عضو في الحكومة الجزائرية.
وعندما مسحت الجزائر ديون البلدان الإفريقية، عندما هبّت حمم بركان انهيار أسعار النفط ،وعصفت بخلايا البدن، بدأت بالدولة الجنوبية الجارة، التي أوصى بها وعليها هواري بومدين، والشاذلي بن جديد، وعبد العزيز بوتفليقة، حتى كادوا يورثوها خيراتنا، ونحن في أشدّ الأزمات، على وزن قاعدة الجار الإسلامية، وإذا كان هناك من انتقد الموقف الجزائري، فإنما الذين طالبوا بأن يكون أكثر حزما وعقابا في حق بلد، لم تترك الجزائر من معروف إلا وقدمته له، والذين انتقدوا الخارجية الجزائرية التي صامت طويلا في قضايا حساسة، لا يمكنهم سوى أن يهنئوها هذه المرة، وهي تفطر على ماء زلال.
إلى هنا تبدو ديبلوماسيتنا قد اجتهدت فنالت الأجرين معا، ولكن ما حدث في الضفة الأخرى في جزيرة مالطا، حيث بقي أربعة عشر سائحا جزائريا في الحجز، يرفعون فضلات المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، من دون سند ديبلوماسي، يردّ لهم جزءا من الحق الذي ردّته الجزائر للديبلوماسي الذي طردته السلطات الموريتانية، بعد أن أعيدوا الخميس إلى أرض الوطن، ولكن بجوازات مختوم عليها "مطرود".
المرتبة المتخلفة، التي احتلها جواز السفر الجزائري، كواحد من الجوازات التي لا تمنح لصاحبها فسحة التنقل بحرية، والترحيب به في الموانئ والمطارات العالمية، ما كانت لتكون، لو وقف ديبلوماسيونا مع هذا الشعب الذي صارت تسنّ له القوانين في مختلف السفارات الأجنبية في الجزائر والمطارات العالمية، تردّه إلى بيته أو تستنزف أمواله وأعصابه وتضعه في آخر الطابور، أو في خانة غير المرغوب فيه، والذين قالوا بأن بعض سفاراتنا في الخارج هي مجرد فيلات يقطنها ديبلوماسيونا، ويتقاضون نظير فسحتهم الخارجية مبالغ بالعملة الصعبة، لم يبالغوا، فقد اهتزت الجزائر بأكملها دولة وشعبا بعد طرد موريتانيا لديبلوماسي جزائري واحد، ولم تهتز دولة ولا شعب بعد جرّ البوليس المالطي عددا من الجزائريين إلى الحجز من دون ذنب واضح اقترفوه.
سيكون مشروع أمة حقيقيا، لو عادت الجزائر إلى عهد سبعينات القرن الماضي، عندما كان جواز سفر الجزائري الأخضر، في حد ذاته تأشيرة مرور، لأي بلد في العالم، وكانت الجزائر مستعدة لأن تفكر في قطع علاقاتها مع أي دولة تُحرج أي مواطن من مواطنيها، فما بالك أن تجبرهم على الوقوف في طوابير للحصول على التأشيرة، أو ترميهم في الحجز، أما أن تتوقف عند أجراس موريتانيا التي وجدت صدى إيجابيا في كل الجزائر، فهي كمن يؤذن .. في مالطا.
نقلا عن موقع "الشروق السياسي" الجزائري