كلمةٌ سواء

أربعاء, 2015-05-06 14:19
سيد عبد الله ولد الوافي

مرَدٓ جلُّ أهل هذه البلاد على النفاق السياسي،وجبل كثيرون منهم على قابلية الإستعمار والتشبع بظلم المستبد دون الإحساس حتى بذل العبودية،وفوق هذا نما في كثير منهم حس الإنتماء لغير البلد،وإن ظلت جبلية الإنسان على حب الوطن الضيق راسخة،فإن عجز الحكام المتعاقبين على السلطة منذ البداية الفعلية لما أطلق عليه مجازا دولة موريتانيا،عن خلق كيان الدولة الحقِ،شكل عقبة فعلية أمام تقدم حلم الإيمان العميق بترسيخ وجود الدولة في نفوس شعبها..

 إن دولة لا يستطيع مدير ولا موظف فيها أن ينال سلطة أداء عمله على الوجه المرضي،ولا يجد فيها مواطن حقه إلا بطرق ملتوية،ولا يَسمع فيها مسؤول صوت المظلوم وإن ضجت به السماوات والأرض،وترفع فيها المظالم من شتى نواحيها لِتُقبر أمام بوابات القصر الرئاسي..وينعق فيها بعد هذا وقبله الإعلامي وحتى العامي بكل ما يسمع من كلام ومواعيد عرقوبية،وهو في ذلك يكذِّب ما تراه عيناه واقعا معاشا،لبعيدة كل البعد عما يسمو إليه قلب مواطن صدّق يوما قصص أستاذ التاريخ حينما ينظّر عن حلم موريتانيا الذي ضحّى من أجله خيرة أبنائها بأعمارهم وأموالهم،وضحّت به ثلة أخرى من أبنائها في سبيل جيوبها وملئ خزائن أطماعها،إنها التضحية بوجهيها،وكلا طرفيها يحمل معول هدم،لا يزال المواطن لم يتبين أي المعاول سيٓسعد بجهده حقا وأي المناهج أجدر بالإتباع،أمعول النقد الذي رفعته قلة من القوم في وجه تصورات كثرةٍ تقدس النفوذ ولا ترى ما ألحقه حكام نظام الهشاشة والتهشيم ببلد لم ير بعد نور التقدم وإن ارتفعت بشعاراته الحناجر،وأذن مؤذن كل حاكم أن حي على الإزدهار؟..أم معول شغله الشاغل هدم الصور النمطية لرجل الدولة الصاعد -أيا كان-،ورد لفح النقد اللاذع الموجه إليه؟

التغيير فينا لا يتجاوز زخرفة واجهة النظام و إضافة الألقاب الجديدة والشعارات المبهرجة،والتمظهر بأبهى الحلل وإن كان البهاء هنا بمقاس موريتاني بحت؛

نظامنا وإن تغيرت الواجهة لا يزال بمحرك الستينات،بل بمحرك خلفه الاستعمار أيام تفكيره في الرحيل عن هذه الأرض،وأبقت عليه عوامل التاريخ والأفكار المتوارثة،ليس بمقدور هذا النظام تحريك عربة الوطن وجرها نحو التحضر،إنه مهترئ وإن وُضع اليوم على هيكله دهان جديد لن تتغير حقيقة اهترائه وفساد مكوناته،وتحوله إلى خردة وإن أصررنا على الإبقاء عليه..

إن إصرارنا هذا على التمسك بقشور المظاهر وانبهارنا بكل صبغة جديدة لِمحرك الدولة المهترئ، لدليل على مرض إجتماعي مزمن أصاب ثقافة المجتمع والأفراد وعطّل التفكير الجمعوي لدى شرائح واسعة منه،ولست أنكر هنا اختلاف رؤى وتصورات أفراد تلك الشرائح ودوافعها المتباينة للوقوف مواقفها تلك،ولكنها في الأخير انتهت إلى نفس الفعل وأعادت وكررت تمسكها بالسير على نفس النحو والرتابة التي تصيغ بها مواقفها من ألوان النظام؛قد يقول قائل كيف تزعم أن موريتانيا حكمها نظام واحد ولا يزال بين ظهرانينا ستة رؤساء حكموا البلد؟.. إن تعدد الحكام وتعاقبهم لا يعني بالضرورة تغير النظام ولا تحول البلد إلى نمط جديد من الحكم،فليس تغير النظام بالأمر الذي يخفى،يكفي أن كل هؤلاء الرؤساء أتى على ظهر أطماع ومآرب وفي موكب من الشعارات و دعاوى إصلاح يخلق بها هالة لشخص النظام،ويعزز أسس الحكم القبلية والعرقية المقيتة،ليعيش جزء كبير من المجتمع عبيد أهواء سادته وكبرائه.

كلنا مغبونٌ في وطن تحكمه مذ زمن شرذمة المصالح والتملق،لم تعدل قط هذه الشرذمة في شيء سوى تقسيم الظلم والتهميش على شرائح المجتمع،فلا كراهية بيرام لها من المبررات ما يجعلها صالحة للتداول،ولا دعوى الجاهلية التي يدعو بها ولد أحمد عيشة بالمستساغة أصلا،إن شرائح المجتمع كافة بحاجة إلى الوقوف وقفة رجل واحد في وجه دعاوي التشرذم بأشكالها،وتوجيه البوصلة نحو المطلب الجامع المشروع،لبناء دولة عدل تستمد من إسلامنا السمح رؤاه حقا،وتبتعد كل البعد عن التصورات الجاهلية،وثقافة التعالي والعنصرية،لنحدد بذلك فعلا وجهة المجتمع ومسار الدولة،ونقيس مدى إيماننا كذلك بتعاليم شرعنا الواضحة حول بناء المجتمع المتماسك والمتفاضل بعمله لا لسانه وعرقه.

ولعل ما يذكي النعرات ويزيدها في الأوساط الاجتماعية الضعيفة أمام سيل الدعاية،ويفسح لها مجالا كبيرا في ساحتنا الإعلامية،إدراك الشرذمة أن بقاءها مرتبط بتخدير المجتمع وإدخاله يوما بعد يوم في متاهات الصراعات الجانبية على أساس قاعدة فرق تسد،فليست صور شخوص المارقين عن العقلانية والمشتتين للمجتمع إلا صنيعة إعلامية للنظام رمى بها المجتمع في صميمه،ليمارس براغماتية المواقف وركوب الأمواج،ولخلق العدو المشترك الذي تحاربه دعاية الحاكم،وتبيين الوجه "الجيد" للحفاظ على النظام القائم بعلله وربما التمديد له والتمهيد لتغيير دستور صدح بعض المرجفين في الوطن إبان زيارة الرئيس بضرورة تغييره.

إن اندفاع المتطرفين من كل جهة نحو ما يُطرح من شَذاذ الأفكار وانحرافها يجب أن يقابل من غالبية المجتمع الهادئة بإعلاء صوت التعقل،ونشر ثقافة الوحدة والتماسك والتعاضد، والعمل بروح الجسد الواحد،بعيدا عن الشحناء والتباغض،لخلق جو التشارك الحقيقي في ما يجمعنا وأنستنا أهواء النفوس المريضة ذلك..فدعاوي العنصرية المقيتة لا تتبدد إلا بتوحيد صف الشعب من أجل خوض معركة جامعة لبناء رؤى واضحة للمساواة والعدل في ظل قانون يحمي الضعيف ويصون حقه،ويشكل قطيعة مع نظام الحكم المهترئ والمتآكل،ويدمر تابوهات المجتمع وبقايا جاهليته.

دولة العدل والمساواة كلمة سواء بين شرائح المجتمع الموريتاني،تختزل اليوم ما تدعو إليه الحراكات الموجودة في الساحة الوطنية،وضرورة الوحدة والتكاتف ومحو السمة الشرائحية بسلبيتها عن المجتمع باتت اليوم تفرض نفسها لنصل إلى غاية إسلامية لطالما فهمها المجتمع الإسلامي المحافظ وكابر في العمل بها واتباعها.