دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لحضور القمة الخليجية الاستثنائية وشراء أمير قطر ٢٤ طائرة من طراز «رافال» الفرنسية ودعوة هولاند إلى توقيع العقد قبل القمة الخليجية مع أوباما لها معان عديدة. فيجب ألا ينظر إليها كتحد أو منافسة مع الحليف الأميركي لفرنسا. كما لا تجب قراءة هذه الحفاوة والاستقبال الذي حظي به هولاند في الرياض، حيث استقبله العاهل السعودي الملك سلمان على درج الطائرة في مطار الملك خالد، بحضور ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والأمراء والوزراء، كأنها رسالة لإزعاج الصديق الأميركي، فواقع الحال أن دول الخليج مدركة تماماً وزن القوة العظمى الأميركية في العالم والمنطقة، وقادة الخليج أيضاً مدركون أن فرنسا دولة مهمة وكبرى ومحركة في الاتحاد الأوروبي، لكن وزنها على صعيد السياسة الدولية لا يمكن أن يضاهي وزن القوة الأميركية. ولكن لفرنسا مكانة مقدّرة لدى الدول الخليجية وعدد من الدول العربية، لان سياستها تتسم باستمرارية وتمشي مع مصالحها في المنطقة العربية.
منذ عهد الرئيس شارل ديغول أدركت فرنسا أن عليها أن تحافظ على سياسة متوازنة في القضايا العربية الكبرى، لأن مصالحها أساسية فيها. وكان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ممثل اليمين الديغولي، من بين الرؤساء الفرنسيين الأكثر شعبية بين رؤساء فرنسا في دول الخليج والمشرق، فكان أسلوبه محبذاً وحرارة شخصيته جاذبة لأصدقائه العرب، حتى أن لا أحد ينسى زيارته إلى القدس الشرقية حيث أرادت الحكومة الإسرائيلية إذلاله. إلا أن شيراك، رغم شخصيته المحبوبة، لم يحظَ بكل ما جنته فرنسا في عهد هولاند من عقود وتقارب مع الدول الخليجية، فمن حظ هولاند أن ملفات المنطقة، وفي طليعتها إيران وسورية، ومواقفه حول سياسة البلدين وأسفه لسياسة حليفه الأميركي في هذين الملفين، قربته بشكل كبير من دول الخليج، فهولاند يرفض القول إنه في حلف مع مجموعة الدول السنية في المنطقة ضد الشيعة. فهو يقول إن سياسة فرنسا ليست مبنية على الطوائف. ولكنه يرى، مثل دول الخليج، خطورة ما تقوم به إيران في سورية حيث تحارب الشعب السوري الى جانب النظام، وفي اليمن حيث تسعى الى زعزعة المنطقة الخليجية، وفي لبنان حيث تعطل الحياة السياسية عبر وكيلها «حزب الله». إضافة إلى أن أسف هولاند الكبير هو على تراجع أوباما عن ضرب قواعد النظام السوري في ٢٠١٣ عندما لم يكن هناك لا «داعش» ولا جهاديون بالآلاف يأتون من فرنسا للمشاركة في الحرب في سورية. أما بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، فهولاند يرى ضرورة الحزم فيه وعدم التنازل في التفاوض مع الطرف الإيراني. وهو يعتبر أنه لولا حزم فرنسا في التفاوض وإصرارها على عدم التنازل عن العقوبات والمراقبة لكان الجانب الأميركي أبدى مرونة أكثر في إعطاء بعض التنازلات للطرف الإيراني، لأن إدارة أوباما تريد أن تترك للتاريخ إنجاز تسوية العلاقة مع إيران على حساب كل ما يقوم به هذا البلد في المنطقة.
وإضافة إلى ذلك، بقي هولاند صارماً في موقفه من رفض أي دور لبشار الأسد في مستقبل سورية. فهو مع الدول الصديقة في الخليج يدعم بقوة واستمرارية المعارضة السورية، ساعياً إلى هدفها للتوحد والتوسع. إنه أكثر اهتماماً بالملف السوري، وكذلك بعملية السلام في الشرق الأوسط حيث جهوده تبقى معطلة، كون الجانب الأميركي لم يقبل يوماً بدور فرنسي أو أوروبي في أي مفاوضات سلام.
إن الدعوة السعودية لهولاند للمشاركة في القمة الخليجية الاستثنائية والحفاوة التي وجدها في الرياض والدوحة، مكافأة لسياسة الصديق في السراء والضراء ولوضوح فرنسا في التعامل مع ملفات سياسية تقلق المنطقة، على رغم أن الجميع مدرك أن هذا ليس ضد الحليف الأميركي كما أنه ليس تقاسماً للأدوار بين الولايات المتحدة وفرنسا في المنطقة.