كثيرا ما أطالع على صفحات بعض الشباب المعارض منشورات تقول بأن المعارضة الموريتانية تعيش في أزمة، وكثيرا ما يكتب هؤلاء على صفحاتهم عن أخطاء المعارضة التقليدية، وعن فشلها، وعن إضاعتها المتكررة لكثير من الفرص.
كلام سليم، ويمكنني أن أزيدكم من الشعر بيتا : إن نقطة القوة الوحيدة التي يملكها النظام القائم تتمثل في أن معارضته القائمة تعاني من ضعف شديد.
تلكم حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن هناك مصيبة أفظع لم يعد بالإمكان تجاهلها وهي أن الأجيال الجديدة من المعارضة (الشباب المعارض) هي أشد ضعفا، وأكثر هشاشة من المعارضة التقليدية.
فالمعارضة التقليدية، ورغم الخلاقات الشخصية بين قادتها، ورغم اعتمادها على أساليب تقليدية، إلا أنها أثبتت رغم ذلك كله، بأنها قادرة دائما على أن تتفق فيما بينها على الحد الأدنى من الأهداف المشتركة، وبأنها قادرة على الانفتاح والتنسيق مع جهات وأطراف غير سياسية فيما يخدم المصلحة العليا للبلد، وستبقى فكرة منتدى الديمقراطية والوحدة واحدة من الأفكار الرائدة في هذا المجال.
الغريب في الأمر أن ما حققته المعارضة التقليدية، وبأساليبها وبعقلياتها التقليدية، حسب بعض الشباب المعارض، عجز الشباب أنفسهم عن تحقيقه.
لم يستطع الشباب الموريتاني المعارض أن ينسق فيما بينه، ولم يستطع أن يشكل تجمعا خاصا به، ولم يستطع حتى أن يقلد المعارضة التقليدية في تكتلها الجديد، وأن يؤسس هو بدوره منتدى خاصا به، يجمع بين المنظمات الشبابية للأحزاب المعارضة، والمنظمات والحركات الشبابية المستقلة، بالإضافة إلى الشباب المستقل والناشط افتراضيا وميدانيا.
لقد كانت هناك محاولة لتشكيل تجمع شبابي معارض، ولكن ما طفا على السطح من خلافات ومن انعدام للثقة كان يفوق بكثير تلك الخلافات التي قد تظهر من حين لآخر بين قادة المعارضة التقليدية، والتي لم تمنعهم في النهاية من تشكيل منتدى الديمقراطية والوحدة.
لو كان هناك أي تجمع شبابي معارض يضم أطيافا من الشباب المعارض لكان بإمكان هذا التجمع أن يلعب العديد من الأدوار الهامة، والتي أذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر:
1 ـ أن يقوم بأنشطة احتجاجية ميدانية، وذلك لمواجهة هذا الهدوء الذي تشهده الساحة، فلو كان مثل هذا التجمع موجودا لكان بإمكانه أن ينظم ـ من حين لآخر ـ أنشطة احتجاجية ميدانية، لا تستطيع الأحزاب التقليدية أن تنظمها لصعوبة تحرك تلك الأحزاب.
2 ـ أن يوفر الدعم لكل أصحاب المطالب المشروعة، من خلال المشاركة الميدانية معهم في أنشطتهم الاحتجاجية، أو من خلال القيام بحملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي لصالحهم.
3 ـ أن يطرح ـ وبقوة ـ القضايا التي تهم الشباب، وأن يفرض على السلطة وعلى الطيف السياسي المعارض والموالي أن يمنح لتلك القضايا ما تستحق من اهتمام. فلو كان مثل هذا التجمع موجودا لكان بإمكانه أن يفرض حضور مشكل البطالة في وثيقة الممهدات التي تقدم بها المنتدى، وأن يفرض أيضا حضورها، وبشكل جدي، في الحوار القادم إن كتب لهذا الحوار أن يتم. كما أن هذا التجمع كان بإمكانه ـ إن وُجِدَ ـ أن يفرض مناقشة قضايا أخرى في الحوار القادم، تهم الشباب، كإشراك الشباب بشكل جدي، لا على مستوى الشعارات فقط، في تسيير الشأن العام.
4 ـ لو كان مثل هذا التجمع الشبابي موجودا الآن، لكان بإمكانه أن يفرض وجود قطب شبابي، يكون بمثابة قطب جديد بمنتدى الديمقراطية والوحدة، وذلك لإضافة دماء جديدة، وأساليب جديدة في عمل المنتدى.
إن الكثير من الشباب المعارض ممن أدمن على انتقاد المعارضة التقليدية، لم يحاول أن يقدم بديلا لهذه المعارضة، ولم يحاول أيضا أن يقترب من هذه المعارضة، لكي يصلحها من الداخل، وما ذلك بالأمر العسير، إن وجدت إرادة قوية لتحقيقه.
إن بإمكان الشباب المعارض أن يثبت وجوده في الميدان، إن وُجِدت الإرادة القوية والصادقة لذلك، وإن تمكن هذا الشباب من تجاوز بعض الخلافات والحساسيات التي ما تزال تشكل عائقا أمام أي جهد نضالي شبابي مشترك وطويل النفس.
إن البلاد تمر الآن بلحظة عصيبة من تاريخها، وفي مثل هذه اللحظات العصيبة يكون من اللازم أن يتم التنازل عن المصالح الحزبية الضيقة (وأعني هنا الشباب المنخرط في أحزاب سياسية)، وأن يتم الابتعاد عن المبالغة في نقد الآخرين، وعن التنظير الذي لا يصحبه أي جهد ميداني ( وأعني هنا الشباب المستقل)، وذلك من أجل أن تكون هناك إمكانية لأن يشارك الجميع في عمل شبابي نضالي فاعل ومؤثر.
إن على الشباب المعارض، حتى وإن كان حاله أقول سوءا من الشباب الداعم للسلطة القائمة، أن يعلم بأن الشباب الداعم للسلطة كان قد قدم مشروعا لافتا، وتمكن من خلاله من استقطاب قدرات وطاقات شبابية كبيرة، ولولا أخطاء السلطة القائمة، ولولا تعاملها الغبي مع هذا المشروع الشبابي الطموح، لكنا اليوم أمام مجلس شبابي أعلى داعم للسلطة، وقادر على استقطاب العديد من الشباب الفاعل والوازن.
لقد تأخر ظهور هذا المجلس الشبابي كثيرا، ولم يكتب له حتى الآن أن يتشكل، وهو وإن تشكل فلن يكون بذلك الشكل الذي أراده بعض مهندسي هذا المجلس، ولذلك فإنه سيكون بإمكان الشباب المعارض أن يظل مطمئنا لأن السلطة وموالاتها لن يكون بإمكانهما أن يقدما مشروعا شبابيا متميزا ولافتا.
إن من حق الشباب المعارض أن يطمئن، ومن حق المعارضة التقليدية أن تطمئن كذلك، وذلك لأن السلطة القائمة لن تتوقف عن ارتكاب مزيد من الأخطاء الفادحة، والتي ستضمن للمعارضة البقاء على قيد الحياة ما دامت هذه السلطة القائمة باقية على قيد الحياة، وما دام بإمكانها أن ترتكب المزيد من الأخطاء.
ستبقى المعارضة الموريتانية، وبشقيها التقليدي والشبابي، حية ترزق، ما بقت هذه السلطة القائمة حية ترزق، ولكن ما على هذه المعارضة أن تعلمه، خاصة الشبابية منها، بأنها، وإن كان بإمكانها أن تقتات على أخطاء السلطة لضمان بقائها على قيد الحياة، إلا أن ذلك لن يصنع أي تغيير...إطلاقا، إنه لن يصنع أي تغيير.
حفظ الله موريتانيا..
نقلا عن مدونة الكاتب