مجزرة “سطيف”.. العار الفرنسي الذي لن ينساه الجزائريون

أحد, 2015-05-10 21:49

قبل 70 عامًا بينما كانت فرنسا تحتفل بالتحرير، وقعت مجازر مروعة في الجزائر؛ إذ خلال مسيرة النصر، رفع العلم الجزائري في مدينة سطيف الصغيرة يوم 8 مايو ممّا أدّى إلى قمع وحشي دام 7 أسابيع وخلّف بين 20 ألفًا و30 ألف قتيل في صفوف السكان العرب. واستمرّت هذه الحلقة الّتي حجبتها فرنسا طويلًا في إثارة المشاكل في العلاقات بين الجزائر وباريس. ويستعيد المؤرخ جان لوي بلانش كاتب “سطيف 1945″ -كتاب يعتمد على الأرشيف الفرنسي والبريطاني والأمريكي بالإضافة إلى مقابلات أجريت في الجزائر- ما حدث ويذكّر بنطاق هذه الأحداث.

ما الّذي حدث يوم 8 مايو 1945 في سطيف؟

نُظّم عرض للنصر في سطيف، وقرّر الفصيل الصغير المحلي لـ حزب الشعب الجزائري -فصيل سريّ لأنّه يطالب باستقلال البلاد- المشاركة فيه، وفي هذه المدينة أراد المستوطنون اليمينيون المتطرّفون استغلال هذه المظاهرة لتصفية حساباتهم مع رئيس البلدية الجديد الّذي يرغب في حرمانهم من السيطرة على السوق السوداء. وكان الخوف من الثورة العربية  كامنًا في المدينة كما في مختلف أنحاء الجزائر.

أثناء العرض، رفع أحد الكشفيين العلم الجزائري ولافتة من أجل تحرير السجناء السياسيين وأطلق النار بداية من قبل ضابط شرطة؛ قتل حامل العلم. ومن ثمّ أطلقت النيران من الشرفات وتمكّن بعض العرب من اللجوء تحت الأقواس ثمّ توجّهوا إلى مغادرة المدينة، وفي خضم الفوضى، اتّبع مستوطنان رئيس البلدية وقتلاه برصاصة في الظهر. وفي المجمل قتل في سطيف وخارج المدينة 29 أوروبيًا في هذا اليوم، ولازلنا نجهل عدد القتلى في صفوف العرب في ذلك اليوم.

خلال الأسبوع الأوّل: قتل على الأقلّ 10 آلاف عربي حسب الجنرالات الأمريكان، نقلًا عن وثائق اطلعوا عليها لدى نظرائهم الفرنسيين دون أن يسمحوا لهم بالحصول على نسخة منها. وحسب المصادر نفسها، قتل بين 8 مايو و26 يونيو بين 20 ألفًا و30 ألف مسلم و102 أوروبي.

متى انتهت المجازر؟

استمرّت 7 أسابيع حتّى حضور وزير الداخلية أدريان تيكسياي في نهاية شهر يونيو، وكان الوزير غاضبًا؛ حيث انفجر أمام الإداريين والوجهاء في اجتماع عقد في مبنى تابع للمحافظة يوم 25 يونيو في بون [الّتي تعرف اليوم بعنّابة]، وطالب بوقف هذا الجنون، وهدأ الوضع تدريجيًا، ونجد في التقارير الّتي أرسلت في باريس في يوليو الإشارة إلى سيارات تجوب الشوارع الكبرى في قسنطينة وتطلق النار على كلّ من يرتدي “جلّابة” [الزي التقليدي الجزائري]. وتمّت الإشارة في قسنطينة في يوم 1 سبتمبر إلى سيارة شحن تضع الجثث في مقبرة المدينة في قبر جماعي.

كيف كانت ردّة فعل الحكومة على أحداث سطيف؟

غداة المظاهرة، أصيبت سلطات الجزائر بالذعر؛ فأعلن الحاكم العامّ إيف شاتنيو: “إنّه الجهاد”؛ ليردّ شارل ديغول -الّذي لديه مخاوف أخرى- بتلغراف: “استعيدوا النظام“.

وأطلق جيش إفريقيا العنان؛ فتدخّل سلاح الجوّ والبحرية من خلال شنّ غارات، ولكنّ المجازر الكبرى ارتكبت من قبل ميليشيات من الأوروبيين المدنيين، شكّلتها سلطات الولاية: رؤساء البلديات والوجهاء. وتمّ تسليح هذه الميليشيات بالبنادق الحربية الّتي كانت مخزّنة في البلديات بموجب تعليمات تعود إلى عصر الإمبراطورية الثانية وتدار من قبل مستوطني المنطقة الّذين يتحدّث الأغلبية منهم العربية ويعرفون المسارات لتكون أكثر فعالية في ملاحقة “المتمرّدين”، وألقيت الجثث في الوديان وتحت الأشجار المتشابكة.

كيف ردّ جزائريو قسنطينة؟

سعوا إلى الدفاع عن أنفسهم من خلال شراء الأسلحة؛ فعدد قليل جدًّا كانوا يمتلكون أسلحة صيد بسبب التشريعات المتعلّقة بالمسلمين والمقيّدة للغاية؛ ولذلك توجّهوا إلى جيرانهم الأوروبيين الّذين يتوفّر لديهم السلاح بشكل كبير، وإذا ما منحت لهم الأسلحة دون احتجاج، لا يحدث عنف ولكن يخاطر الأوروبيون بحياتهم إذا ما دافعوا عن أسلحتهم. ثمّ توجّهت الحشود إلى المرتفعات في محاولة للبقاء في منأى عن العنف. كانت هذه حركة دفاع عن النفس عفوية وليست عصيانًا كما يدّعون.

ما الّذي حدث في مدينة قالمة؟

إنّها أشهر مرتع للعنف؛ إذ اقتنع نائب المحافظ في قالمة أندريه أشياري بإشاعة أنّ ما يحدث هو “ثورة عربية” في جميع أنحاء الجزائر؛ فشكّل يوم 9 مايو ميليشيا ومحكمة شعبية وبدأت الإعدامات صباح 10 مايو في ساحة السجن المدني، وعقدت المحكمة الشعبية باستمرار؛ حيث تؤدي مجرّد حيازة مكتوب باللغة العربية إلى الإعدام رميًا بالرصاص.

بما يفسّر بلوغ مجازر كهذه؟

أرهقت الحرب الجزائر وتحوّلت إشارة “الثورة العربية” منذ صيف 1944 إلى حالة ذهان، وأثارت مجموعة من الكشفيين تجوب الشوارع ليلًا حالة من الذعر؛ فأصبح الجنود وعناصر الشرطة والموظفون ينامون بأسلحتهم. وفي وهران، حدّدت الولاية رهائن من بين الوجهاء المسلمين: حذّروا من إطلاق النار عليهم في حالة الاضطراب. ولا يمكننا إلّا أن نشبّه حالة الذهان هذه بتلك الّتي اندلعت في باريس عام 1572 في ليلة الـ سانت بارثولوميو، حيث قتل البروتستانت في إجراء “وقائي”.

هل بدا النظام الاستعماري مستقرًّا؟ وإلى متى يعود وكيف يعمل؟

في عام 1830، حطّ الجيش الفرنسي في الجزائر بتعلّة إنهاء القرصنة وتحرير العبيد ولم يجد شيئًا، ولكن في عام 1834 قرّرت فرنسا البقاء في الجزائر وبقي الاستيلاء على عمق البلاد وسحق الانتفاضات.

وانتهت المهمّة في عام 1871، وفي عام 1945 كان هناك أكثر من 7 ملايين ساكن محلي مسلم، أي أكثر تسع مرّات من عدد الفرنسيين بما في ذلك السكان المحليون اليهود. وكان الفرنسيون يتمتّعون بحقوق الانتخاب نفسها الّتي يتمتّعون بها في البرّ الرئيس، ولكن الجزائريين المسلميين لا يتمتّعون إلّا بحقّ تصويت محدد. وتحوّلت الأرض والشعب إلى فرنسا.

وتفسّر الهوامش المبالغ فيها الّتي تسمح بالحصرية الاستعمارية الأوضاع السخيفة في كثير من الأحيان لصالح الدور التجارية المتواجدة في البرّ الرئيس [فرنسا الحالية]. واتّبعت أجور الرجال منطقًا استعماريًا أيضًا: للعمل المتساوي أجر غير متساو. ومع ذلك، كانت الاضطرابات الموجزة في الأوراس في خريف عام 1916 محدودة للغاية.

أيّ دور لعبته مجازر مايو 1945 في اندلاع حرب الجزائر؟

شكّلت نقطة تحوّل رئيسة. بداية من عام 1946، اندلعت هجمات بشكل متقطّع في مختلف أنحاء الجزائر؛ حيث أشارت السلطات في إجراء تمويهي إلى أنّها مجرّد حوادث عابرة حتّى لا تخيف الأوروبيين. وأصبح القبول بالاحتلال غير ممكن لدى العديد من الجزائريين؛ إذ يروي الصحفي السويسري شارل هنري فافرود، وهو من بين الأوائل الّذين كتبوا عن حرب الجزائر، أنّ جميع المسؤولين في جبهة التحرير الوطني الّذين نشؤوا في قسنطينة يذكرون جيّدًا مجازر سطيف.

أي ذاكرة لهذه المجازر؟

لا تزال سطيف في قلب العلاقات الفرنسية الجزائرية، وهذا مفهوم؛ نظرًا لحجم المجزرة. وفي فرنسا تمّ الحديث طويلًا عن فكرة أنّ سطيف مثال نموذجي عن وحشية الجزائريين، ولكن اليوم يتمّ تجنّب هذا الموضوع؛ لأنّه يسيء إلى صورة [فرنسا].

وفي الجزائر، تمّ التركيز في البداية على حرب الاستقلال ماحين ذكرى سطيف، ولكن في السنوات الـ 1970 تمّ تناول الموضوع شيئًا فشيئًا من قبل جبهة التحرير الوطني، خاصّة أنّ العديدين في الجزائر يؤكّدون على أنّ المجازر قد أسفرت عن 45 ألف قتيل.

يوم 19 أبريل، تنقّل كاتب الدولة لشؤون المحاربين القدامى والذاكرة، جان مارك تودشيني، إلى سطيف لإحياء ذكرى المجازر، وفي ديسمبر 2012 اعترف فرنسوا أولاند بـ “العذاب الّذي تسبّب فيه الاحتلال” للجزائريين، وندّد بـ “النظام الظالم والوحشي للغاية“. ولكن، هل يمكن أن تلطّف هذه الإجراءات العلاقات الفرنسية الجزائرية؟

لوموند – التقرير