خفض البرلمان الليبي المنتخب ميزانية البلاد للعام الحالي بواقع 20٪ إلى 40 مليار دولار، بسبب تراجع إيرادات النفط نتيجة لموجة من الإحتجاجات العمالية في الشهور الستة الأولى من العام.
ويتخذ مجلس النواب من مدينة طبرق في شرق البلاد مقرا له في حين يقيم برلمان منافس في العاصمة طرابلس.
وقال مجلس النواب ان الإنفاق سينخفض من 64 مليار دينار إلى 52 مليار دينار ليبي.
ولم يتضمن البيان الذي أصدره أمس الأول أي تقديرات للعجز.
كان عبد السلام نصية، المشرع البارز المسؤول عن الميزانية، قد قال في مقابلة الشهر الماضي ان العجز قد يرتفع لأكثر من مثليه إلى 19 مليار دينار.
وأضاف أن البرلمان لن يخفض رواتب موظفي القطاع العام والدعم اللذين يشكلان أكثر من نصف الميزانية.
وقال إنه سيتم بدلا من ذلك خفض الإنفاق على الوزارات والبنية التحتية نظرا لأن القتال بين الفصائل المتناحرة جعل إنجاز كثير من المشروعات مستحيلا.
وربما يساعد هذا الميزانية لكنه قد يفاقم الاستياء، إذ أن الغضب بسبب سوء أحوال المدارس والطرق كان ضمن المظالم التي تسببت في الإطاحة بمعمر القذافي في العام 2011.
وقال نصية الشهر الماضي أيضا إن إيرادات النفط ستبلغ 17 مليار دينار فقط، انخفاضا من 26 مليارا في تقديرات سابقة، بعدما عطلت الإحتجاجات الإنتاج في الشهور الستة الأولى من العام.
وارتفع الإنتاج إلى حوالي 800 ألف برميل يوميا منذ الصيف. لكن ليبيا كانت تنتج 1.4 مليون برميل يوميا في يوليو/تموز 2013 عندما بدأت الإحتجاجات في حقول ومرافئ تصدير النفط.
وانتخب البرلمان المعترف به دوليا في يونيو/حزيران الماضي، لكنه يواجه تحديا من برلمان منافس شكلته جماعة مسلحة بعد سيطرتها على طرابلس في أغسطس آب.
ودفع الهبوط الشديد في إيرادات النفط البنك المركزي للاستعانة باحتياطيات النقد الأجنبي، التي انخفضت إلى 109 مليارات دولار في نهاية يونيو/حزيران – أحدث شهر صدرت بشأنه بيانات – من 130 مليار دولار في أغسطس/آب 2013.
وتوجد في ليبيا عضو منظمة «أوبك» حكومتان وبرلمانان، منذ أن سيطرت مجموعة مسلحة على طرابلس في أغسطس/آب وعينت رئيس وزراء واستولت على وزارات مع تفكك البلاد بعد ثلاث سنوات من اسقاط حكم معمر القذافي.
واضطرت الحكومة الليبية، التي حظيت باعتراف دولي، إلى الانتقال إلى مدينة البيضاء في شرق البلاد حينما طردهم مسلحون من العاصمة في الصيف. ويوجد الآن البرلمان المنتخب في طبرق في أقصى الشرق.
وعين الحكام الجدد في طرابلس، الذين يقاطعهم إلى حد كبير بقية العالم، وزيرا للنفط عقد بالفعل مؤتمرا صحافيا في الوزارة وبدأ مناقشة السياسات النفطية.
ويتحدى رجلهم، ماشاء الله الزاوي، الحكومة المعترف بها دوليا، برئاسة عبد الله الثني، الذي عين مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التي تديرها الدولة ليكون مسؤولا عن قطاع النفط.
ورغم أن الصراع تسبب في تقسيم المدن والقبائل والمجموعات المسلحة، يقول مسؤولون في المؤسسة الوطنية للنفط إن صادرات الخام لم تتأثر. وتحتاج الأطراف المتناحرة إلى استمرار تدفق أموال النفط المصدر الوحيد للدخل في البلاد.
ويتم دفع الأموال مقابل صادرات النفط الليبية إلى بنك مملوك للدولة في الخارج، ثم تحول إلى المصرف المركزي في طرابلس الذي يدفع مرتبات آلاف الموظفين الحكوميين لطرفي النزاع.
ووجود مؤيدي وأعضاء المجموعات المسلحة من كلا الجانبين على جداول المرتبات من إرث القذافي، الذي جعل من معظم البالغين في البلاد موظفيين حكوميين بهدف شراء ولائهم. ولم يجرؤ الحكام الجدد على تغيير هذا النظام، رغم أن الكثيرين لا يذهبون إلى العمل في مكاتب الحكومة التي تعاني من العمالة الزائدة.
وقال دبلوماسي غربي «لا يوجد حافز كبير يدعو إلى تعطيل نظام المدفوعات النفطية، وربما يستمر تدفق تلك الأموال إلى المصرف المركزي».
وتضخ ليبيا الآن 800 ألف برميل يوميا على الأقل من النفط الخام، وهو أعلى أربع مرات عن مستويات الإنتاج منذ خمسة أشهر، حينما تمكنت حكومة الثني من إنهاء حصار مسلحين لموانئ نفطية في الشرق.
لكن قطاع النفط لا يزال عرضة للمخاطر مع وجود مجموعات مسلحة لا تتبع غالبا فصائل سياسية وسيطرتها على حقول أو موانئ نفطية للضغط على السلطات لتلبية مطالبها المالية.
وهناك عقبة أخرى محتملة تتمثل في أن الصراع للسيطرة على المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي ربما يدفع التجار الأجانب للإحجام عن شراء النفط الليبي إذا لم يستطيعوا تحديد الجهة التي تملكه.
وفي وقت سابق هذا العام حظرت الأمم المتحدة المبيعات النفطية التي لا توافق عليها المؤسسة الوطنية للنفط، حينما حاولت مجموعات مسلحة تطالب بحكم ذاتي إقليمي بيع الخام من موانئ كانت تسيطر عليها في الشرق.
وقال حافظ الغول، وهو محلل سياسي ليبي «نظرا لوجود حكومتين وبرلمانيين على أرض الواقع…اعتقد أنه يجب على الأمم المتحدة أن توسع نطاق ذلك ليشمل تجميد جميع الأرصدة والمعاملات الليبية حتى تتضح الصورة ويتبين من هو المسؤول عن الأرصدة السيادية لليبيا».
وقال حسني بي – وهو رئيس شركة خاصة ليبية كبيرة- ان ضعف المالية العامة للبلاد، إضافة إلى هبوط أسعار الخام، دفع جميع الأطراف للتعاون بهدف الحفاظ على استمرار المبيعات النفطية.
وأضاف أن إيرادات النفط ستنخفض إلى نحو 28 مليار دولار في عام 2014 وهو نصف مستوى العام الماضي.
وقال الغول إن المصرف المركزي سيضطر إلى استخدام مزيد من احتياطيات النقد الأجنبي لتمويل ميزانية قوامها 40 مليار دولار وفاتورة واردات سنوية بقيمة 30 مليار دولار.
ويقول محللون ان هناك سببا آخر وراء رغبة الحكام الجدد في طرابلس في عدم إجراء تغييرات في المؤسسة الوطنية للنفط، ويتمثل في أن ما يصل إلى 70 في المئة من إنتاج الخام يأتي من الشرق حيث لا تزال حكومة الثني مسؤولة عن مرافئ التصدير.