مبارك و»الأربعين حرامي»… والخطاب الكارثي للسيسي

سبت, 2015-05-16 20:48
خالد الشامي

رغم أن الخريطة العربية لا تنقصها الحروب والاضطرابات والفتن (على أشكالها) والانهيارات وحتى المجاعات، إلا أن ثمة خصوصية تبقى لما تشهده مصر من احداث، كان تأثيرها دائما يتجاوز الحدود، إلا انه تعاظم بعد أن سقطت تلك الحدود بفعل وسائل الإعلام الاجتماعي والفضائي. وهذه هوامش مختصرة على بعض أهم ما شهدته «المحروسة» من وقائع متسارعة خلال الأسبوع الماضي.
اولا- في هدوء، أدانت محكمة جنايات القاهرة قبل عدة أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه بالسرقة والتزوير وإهدار المال العام في القضية المعروفة إعلاميا بـ»قصور الرئاسة»، وحكمت عليهم بالحبس ثلاثة اعوام مع الزامهم بدفع مئة وخمسة وعشرين مليون جنيه غرامة، إلى جانب رد الاموال المسروقة التي تقدر باثنين وعشرين مليون جنيه. وبالطبع فإن هذه الاموال لا تقارن بالثروة الضخمة التي حققها آل مبارك من نهب المال العام طوال ثلاثة عقود، إلا أن أهمية الحكم تكمن في أن الرئيس المخلوع (في حال عدم نقض الحكم مجددا) سيموت كما يستحق: لصا، ومزورا ومختلسا لأموال الفقراء ومحدودي الدخل، الذين طالما «انحاز لهم» كما كان إعلامه يكذب ويكذب على الناس. ويجب ان يكون للحكم عواقب قانونية تتعلق بحرمان مبارك ما يستحقه الرؤساء والقادة العسكريون السابقون من امتيازات.
ورغم أن كثيرين تعجبوا من ان يكون جزاء من نهب الملايين من أموال الشعب الحبس لثلاثة اعوام فقط، في وقت يعاقب فيه بعض الشباب بالسجن المؤبد بتهمة التظاهر، الا انه – اي الحكم- هبط كالصاعقة على «عصابة الأربعين حرامي» المؤيدة للمخلوع في وسائل الاعلام، خاصة «القنوات الفلولية» التي تحولت بوقا للدفاع عنه و»إعادة تأهيله» إعلاميا واجتماعيا وربما سياسيا مع نجليه. ورغم أن مبارك لم يرتد البدلة الزرقاء إذ اعتبرت (مصادر قضائية) أنه قضى الحكم فعلا بعد احتساب فترة الحبس الاحتياطي، إلا أن هذا لا يمنع أن لقبه القانوني اصبح (الرئيس المجرم اللص المزور المختلس). وللاسف لم نسمع من الاعلاميين من يناديه بهذا اللقب الذي هو جزء بسيط من عقابه المستحق على ما تسبب فيه من «دمار شامل» طوال فترة حكمه، بل أن «عصابة الاربعين حرامي» في الاعلام اختارت ان تتجاهل الموضوع، او «تكفي على الخبر ماجور» حسب المثل المصري، حتى لا تذكر المشاهدين بأن من استضافوا مبارك وعملوا على «تلميعه»، وهم الذين «ترعرعوا» في امبراطورية فساده لا يمكن الا ان يكونوا لصوصا ومزورين مثله.
ثانيا – وانتصر «ابن الزبال» على وزير العدل المستشار محفوظ صابر وزير العدل (المستقيل) رسميا و(المقال) عمليا، بعد ان هرع رئيس الحكومة الى استدعائه في محاولة لاحتواء موجة من الغضب الشعبي لا قبل للنظام بها. 
انتصر «ابن الزبال» للفقراء، اي الاغلبية الساحقة من المصريين، على اختلاف وظائفهم ومواقعهم، كما انتصر لـ»قوة الاعلام الاجتماعي» الذي زعم البعض ان اهميته تراجعت بعد اقرار قانون «التظاهر»، وكأن التظاهر كان مسموحا به قبل ثور يناير. إلا ان الانتصار يبقى رمزيا، بانتظار الانتصار الحقيقي الذي يتطلب ان يتمكن ابن الزبال وابن الفلاح وابن الموظف وابن اي مواطن، بغض النظر عن طبقته الاجتماعية وانتمائه السياسي أو الديني حقا، من ان يصبح قاضيا طالما استوفى الشروط المهنية. وليس مستغربا ان يتمسك الوزير بتصريحاته العنصرية، وأن يسانده اعلاميون من «عصابة الاربعين حرامي» في الاعلام، إذ أن هؤلاء ومعهم مؤسسات كاملة سيدافعون بكل شراسة عن ميراث دولة مبارك التي صنعتهم، بأن جعلت «الواسطة» (الاسم المهذب للفساد) كلمة السر في التعيينات في مختلف المجالات. وحتى اشعار اخر، فان استمرار «امبراطورية الفساد» بتواطؤ المستفيدين من وظائفها وامتيازاتها، سيبقى الشاهد الاعظم على إجهاض الثورة ومطلبها التاريخي في تحقيق العدالة الاجتماعية. 
ثالثا- من ناحية الشكل والإخراج، كان الخطاب الأسوأ للرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ الخطاب الذي ألقاه في قصر القبة بعد ادائه اليمين االدستورية قبل نحو عام. أما المضمون فلم يخل من الأخطاء والملاحظات، التي تؤكد معا ان الرجل يحتاج بشدة، ضمن اشياء كثيرة، الى مستشار اعلامي يقرر له كيف ومتى يخرج على وسائل الاعلام، بل وماذا يقول ايضا. 
وحتى اذا تجاوزنا الأخطاء التقنية المتعلقة بالمونتاج، والتصوير الرديء، وهو ما ادى الى تكرار فقرة كاملة من الحديث، وسواد الشاشة لعدة ثوان، التي لم نسمع حتى الان عن اي اجراء لمحاسبة المسؤول عنها، ستبقى ثمة مشاكل حقيقية تتعلق بالاداء والمحتوى، ما كانت لتمر في حال وجود مستشار محترف. وكنت كتبت العام الماضي منبها إلى أن أي سياسي يجب ان يستفيد مما يسمونه في الغرب ب«coaching « أو التدريب المتخصص على مواجهة الرأي العام، وهو يشمل كيفية التحدث واستخدام اللغة الجسدية، وصناعة الصورة، لكن يبدو ان الزعماء في بلادنا لا يؤمنون بهكذا «بدع». ومن بين التحليلات التي قرأتها في تفسير فوز حزب المحافظين مؤخرا، ان الفريق المساعد لديفيد كاميرون كان شديد الحرص في كل ما يتعلق بـ»صناعة صورته» عند الناخبين.
ومن السهل على اي اعلامي محترف ان يجد في أداء السيسي في ذلك الحديث الذي تحول الى «كارثة اعلامية» بدلا من أن يكون على هيئة برنامج تلفزيوني او «توك شو» مقرب للمشاهدين، كما اريد له، ملاحظات اساسية، بينها:
- أدى الارتجال الى كثير من التلعثم ونقص الثقة في الحديث، بل وإدلاء السيسي بارقام خاطئة مثل حجم الاحتياطي الاستراتيجي من القمح، ما عكس صورة من التوتر، وكأنه وضع نفسه في موقف الدفاع أمام مؤشرات على تناقص شعبيته، او ما سماه هو نفسه «عدم الارتياح لدى الرأي العام تجاه بعض المشاريع». 
- فشل الحديث في أن يكون رئاسيا عندما غرق في التفاصيل في ما يتعلق بمشاكل الاسكان والزراعة والكهرباء، وهو ما كان يجب تركه للوزراء، بدلا من ان يعرض مصداقيته للخطر، إذ تنحصر مهمة الرئيس في المشاركة مع الحكومة في وضع السياسات العامة ومتابعة تنفيذها. وإن كان السبب االواضح هو شعوره بالقلق من تنامي الانتقادات الموجهة اليه شخصيا، خاصة مع اقتراب مرور عام على توليه الحكم، وتساؤل كثيرين عن الإنجازات التي حققها. كما كان التعرض للحرب في اليمن مختصرا بما يشي بنوع من الارتباك أو الحرج او الأزمة في العلاقة مع السعودية.
- تحتاج اللغة التي يستخدمها الرئيس إلى مراجعة شاملة، لتختفي «التعبيرات الرومانسية» مثل «الاحلام» و «بكم يا مصرين» و»مطلوب منا جميعا» إلى التركيز على الرؤية السياسية والبرامج الاقتصادية والخطط العملية الرئاسية المحددة لتنفيذها، بدلا من الهروب الى تحميل المسؤولية لشعب مثقل بالفعل بالغلاء والبطالة وانهيار التعليم والصحة وغيرهما.