وطن يبحث عن شعب!

خميس, 2015-05-21 20:50
د. صبري صيدم

ظهرت منذ فترة بسيطة صورة لشخص ما اقتطع لنفسه قطعة من الأرض على حدود دولتين أوروبيتين هما صربيا وكرواتيا غرب نهر الدانوب، بمساحـــة تصل الى 7 كيلومترات مربعة فقط ليعلن فيها إقامته لدولة جديدة اسمها «ليبرلاند» وتحمل علما ناصــعا مليئا برموز الحياة. 
مشكلة الرجل لم تكن في السيادة ولا في مساحة الأرض ولا في العلم ولا الهوية ولا الحدود ولا المياه ولا المجال الجوي ولا اللغة ولا حتى الطيف الترددي اللازم لتشغيل خدمات الاتصالات والإذاعة والتلفزيون. مشكلة الرجل كانت في عدم وجود شعب لدولته الوليدة، فانطلق باحثا عن شعب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على أمل اختيار شعب حر قادر على التآخي يتحدث اللغة الانكليزية أو التشيكية، ولا يزيد في تعداده عن 5 آلاف نسمة، ممن لم ينتموا في حياتهم لا للنازية ولا للشيوعية، حسب طلب مؤسس الدولة المجهرية الجديدة التشيكي الأصل فيت جيدليكا.
قصة الوطن الباحث عن شعب أعادتني بالذاكرة إلى النكبة الفلسطينية، عندما قررت العصابات الصهيونية أن تروج للعالم حاجة فلسطين إلى شعب عبر شعارها المزعوم: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» لتتبعه مقولة غولدا مائير الشهيرة: أين الفلسطينيون؟ لتعطي القول بأن لا شعب غير شعبها في الأراضي المقدسة. لكن احتدام المواجهة التي قدمها الفلسطينيون إثر خذلانهم وتعدد المذابح في قبيا ودير ياسين وكفر قاسم دفعت أرباب العصابات الصهيونية إلى طمأنة النفس بالقول: الكبار يموتون والصغار ينسون، في دلالة على انتصار البقاء الفلسطيني في معركة الهوية المستفحلة من جهة الفلسطينيين، بينما يعـــد الصهــــاينة ذاتهــــم بطرد من تبقى من الســـكان الفلسطينيين لصالح الدولة العبرية الوليدة. 
تجربة الإحلال الصهيوني في مقابل دولة ليبرلاند الجديدة تسجل فارقا نوعيا في رؤية الناس للدول، خاصة بعد الحروب الطاحنة التي عاشتها البشرية والصراعات الدينية والطائفية والعرقية ونتاجات الربيع العربي المزعوم، التي شهدت غزارة متجددة في سفك الدماء والقتل والحروب الأهلية والتشريد والحرق والدمار. ليبرلاند لا تريد إلا شعبا مختارا بلا جنح ولا سوابق، ولا تطمح لإنشاء جيش ولا تخزين السلاح ولا إعلان الحرب على أحد ولا أي نوع من أنواع الخلاف مع أحد تأكيدا على شعارها الذي يقول: عش ودع غيرك يعيش.
شعار طرح في الوجــــدان ســؤالا مهما راودنا لعقود: ماذا لو تبنت إسرائيل هذا المبـــــدأ منـــذ أن أومأ أول عربي بالحديث عن السلام؟ حقيقة الأمر أن طمع الاحتلال الإسرائيلي هو أكبر من كل قيم الحرية، على أرضية: عش ولا تجعل غيرك يعيش!