
كشف البرنامج المكثف لزيارة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي لواشنطن، التي انتهت اليوم الجمعة، وتضمنت لقاء بالرئيس أوباما، عن البعد "الاستراتيجي" لمستقبل العلاقات بين البلدين.
وبرز هذا التوجه الجديد بالخصوص من خلال إعلان أوباما عن قراره بمنح تونس صفة العضو الأساسي غير الحليف في منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وهو ما جاء ليؤكد على ما ذهب إليه المحللون والمتابعون للزيارة التي أكدوا أنها ستحظى بأهمية من قبل السلطات الأميركية، وكذلك النخب السياسية والبحثية/الأكاديمية.
شراكة استراتيجية
وفي هذا السياق، قال توفيق وناس، الدبلوماسي السابق بالأمم المتحدة، إنه "من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية نجاح التجربة الديمقراطية التونسية كشمعة أخيرة في الخريف العربي الذي تشهده المنطقة العربية"، مضيفا "أن أميركا ستنزل بثقلها لإنجاح تجربة تونس".
وهو ما أكد عليه أيضا السفير الأميركي في تونس، جاكوب والس في لقاء مع قناة "الحوار التونسي" قبل سفر السبسي لواشنطن، الذي قال "إن الولايات المتحدة تدعم بقوة تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس"، مشيرا إلى "أنها تجربة ناجحة ولابد من مساندتها في وجه كل من يتربص بها، وذلك عبر تقديم مساعدات في مجال الحرب على الإرهاب ودعم التعاون والتبادل الاقتصادي".
كما صرح محسن مرزوق، المستشار السياسي للرئيس التونسي، من الجانب التونسي الرسمي، على أن زيارة السبسي هدفها هو أن تبلغ العلاقات التونسية الأميركية مستوى استراتيجيا أعلى، وفتح فصل آخر في العلاقات.
وهذا ما تأكد في الواقع، خاصة عبر حصول تأكيد أميركي رسمي على دعم "التجربة التونسية"، من خلال حمايتها من الخطر الذي يتهددها، ونعني هنا خطر الجماعات الإرهابية، سواء التي تنشط في الداخل أو المرابطة على الحدود مع ليبيا والتي تتربص بتونس.
وفي هذا السياق، أكدت الباحثة الأميركية سارة فوير، أن إدارة أوباما اعترفت بصفة متأخرة "بأن الوضع في تونس يتطلب التزاماً أكبر من جانب الولايات المتحدة"، ففي فبراير الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن خطط لمضاعفة المساعدات الاقتصادية وزيادة المساعدة المتعلقة بالأمن لتونس بنسبة ثلاث مرات تقريباً، في السنة المالية 2016.
كما أشارت تقارير أميركية إلى أنه وفي أعقاب هجوم "باردو" أعلن مسؤولون أميركيون عن زيادات إضافية في المساعدات الأمنية.
دعم الإصلاحات الاقتصادية والأمنية
وبمناسبة زيارة السبسي لأميركا، نبه الباحثون الأميركيون الذين لهم صوت مسموع في الإدارة الأميركية الى ضرورة دعم "الشراكة الاستراتيجية مع تونس".
وهو ما أكدت عليه الباحثة في "معهد واشنطن للدراسات" سارة فوير، التي دعت في مقال لها صدر يوم 19 مايو الجاري، قبل يومين من زيارة قائد السبسي إلى دعم تونس اقتصاديا، إذ قالت إنه "يتعين على صنّاع القرار الأميركيين التفكير بشكل خلاق حول سبل مساعدة تونس في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة للحد من البطالة وتحقيق نمو الاقتصاد، خاصة في المناطق المهملة حيث ترتفع نسب الجريمة ويكثر احتمال توغل الجهاديين".
وأضافت أنه "بسبب غياب الحلول السريعة لهذا المأزق يمكن للمساعدات الأميركية أن تحدث فرقاً إذا ما أحسن توجيهها".
وعلى الصعيد الأمني، قالت سارة فوير "إذا واصلت تونس سيرها في مسارها الحالي ولم تنخفض الضغوط الممارسة على الحكومة لتجنب العودة إلى حالة سيطرة الشرطة وإحكام قبضتها على الوضع، سيتمكن صناع القرار الأميركيون من تقديم المساعدة الأمنية دون أن يواجهوا معضلة أخلاقية كبيرة"، مشيرة إلى أن التسريع "في تسليم المعدات العسكرية اللازمة، وتدريب القوات المسلحة حول أساليب مكافحة التمرد، ومساعدة صناع القرار الأمنيين في تبسيط عملية جمع المعلومات الاستخبارية ووضع استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب إلى مساعدة الدولة بشكل كبير على ضمان الاستقرار".
كما أكدت فوير أن التركيز على "العنصر الأمني في الشراكة الاستراتيجية المعززة مع تونس سيؤدي إلى مساعدة البلاد على حماية حدودها، واجتثاث التمرد في الجبال الغربية، وتتبّع حركة التونسيين المقاتلين مع الجماعات الجهادية في سوريا والعراق عن قرب، وإصلاح قطاع الأمن".
ويرى صناع القرار الأميركي أنه إذا ما أجريت هذه الإصلاحات بشكل صحيح، فإنها قد تؤدي إلى تعزيز قدرة الدولة التونسية على حماية المواطنين والسياح على حد سواء دون تقويض المكاسب التي حققّتها البلاد بعد معاناة في مجال الحرية السياسية.