كيف يحصل أن يتكرر السيناريو نفسه في أقل من سنة؟.. ما أعنيه هو سيناريو فرار قواتنا المسلحة أخيراً من الرمادي بالصورة التي فرّت بها من الموصل ومدن ومناطق رئيسة أخرى أمام عناصر داعش من دون قتال في حزيران من العام الماضي.
في المرة السابقة قيل ان فرار الموصل لم يكن عن جبن أو تخاذل من جانب القوات وإنما تكمن وراءه أوامر صدرت الى القوات بالانسحاب السريع والخفيف، أي من دون المعدات والآليات الحربية والذخائر، ليستحوذ عليها داعش ويوسّع بها نطاق عدوانه واحتلاله لنحو ثلث مساحة البلاد!.. وقد تضاربت المعلومات بشأن من أعطى الأوامر، القيادات المحلية الدنيا أم قيادات العمليات أم مكتب القائد العام للقوات المسلحة أم القائد العام نفسه!
وفي المرة السابقة قيل كذلك ان الفرار من الموصل كان نتيجة لـ "مؤامرة".. وهنا أيضاً وقع تضارب كبير في المعلومات بشأن الجهات الضالعة في "المؤامرة" المزعومة، داخلية أو خارجية.. ومع التغيير الذي حصل على صعيد مجلس النواب والحكومة ( ليس بتأثير ما جرى في الموصل وغيرها وإنما نتيجة للانتخابات النيابية التي كانت قد جرت قبل أربعين يوماً تقريباً من دخول داعش الى الموصل).. مع ذلك التغيير شخصت الأنظار الى البرلمان والحكومة الجديدين لكشف المستور عما حدث في الموصل وسواها. البرلمان شكّل لجنة للتحقيق في الأمر، لكنّ هذه اللجنة لم تُنجز مهمتها حتى الآن، وثمة شكوك عميقة في إمكانية أن تتوصل اللجنة إلى الحقيقة، أو أن تُعلن هذه الحقيقة من دون تعديل وتبديل وتحريف في الوقائع والنتائج كما حصل مراراً في السابق.
تحت هول الصدمة من نكسة أو هزيمة الموصل تعالت الأصوات بوجوب المساءلة والمحاسبة لكل المسؤولين العسكريين والسياسيين الذين أصدروا الأوامر بعدم الوقوف في وجه داعش وتسبّبوا في المحنة المصيرية التي يكابد العراقيون جميعاً الآن عواقبها الكارثية، لكنّ دعوة المساءلة والمحاسبة تلك ووجهت من البعض، وبينهم بأسف رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الجديد حيدر العبادي، بفكرة ان الوقت لم يحنْ بعد للمساءلة والمحاسبة ما دام الخطر الإرهابي قائما وداهماً.
ما حدث في الرمادي أخيراً، وهو صورة لما حصل في الموصل، يؤكد ان تأجيل استحقاق المساءلة والمحاسبة لم يكن قراراً صائباً، فلو تمّ ذلك في وقته ما تكرّر السيناريو نفسه تقريباً في الرمادي، وما كنّا لنخشى الآن تكراره في مكان آخر. كان لابدّ من المحاسبة والمساءلة في الموصل لكي لا يقع ما وقع في الرمادي.
قبل أكثر من ألف سنة قالها المتنبي العظيم: "مَنْ يهُنْ يسهل الهوانُ عليه" .. والهوان الحاصل في الرمادي هو نتيجة لهوان الموصل. والآن لا مناص ولا خلاص الا بمساءلة ومحاسبة مَنْ وقف وراء فرار القوات في الموصل وفي الرمادي وسواهما، حتى لا يسهل الهوان علينا ويتكرر سيناريو الفرار من الموصل والرمادي مرات ومرات.