هل ستقلع طائرة كيسنجر إلى الرياض مجددا؟

ثلاثاء, 2015-05-26 01:19
 ضياء الرويشدي

«أنا متأكد بأن إسرائيل ستنسحب في اللحظة نفسها التي تعلنون فيها أنكم لن تحموها، ولن تدافعوا عنها، ولن تدللوها». 
بهذه الكلمات اختصر المغفور له ـ بإذن الله ـ الملك فيصل خريطة الطريق لاستعادة الأراضي المحتلة، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، كان ذلك خلال لقائه ـ رحمه الله ـ بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، الذي قدم للرياض بغية إيقاف قرار(وقف تصدير النفط) الذي أعلن آنذاك، بغية الضغط على الولايات المتحدة لإيقاف دعمها لإسرائيل بمواجهة العرب، وما أشبه اليوم بالبارحة!
شهدت تلك الحقبة تصاعد الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهنا أقول العربي (ليس الاسلامي) لأوضح الجذر الحقيقي للصراع. أما اليوم، فإن الشرق الأوسط يشهد صراعا قوميا جديدا، ألا وهو الصراع العربي ـ الفارسي، اذ بات واضحا بأن هناك استهدافا إيرانيا مباشر للدول العربية، ابتداء من لبنان، مرورا بالعراق، ثم سوريا، وصولا إلى اليمن، سعيا إلى كامل الخليج العربي، وتحديدا المملكة العربية السعودية. تتخذ إيران في سبيل تحقيق مشروعها سياسة ضرب العرب ببعضهم بعضا، من خلال تجنيد ميلشيات تابعة لها داخل الدول العربية. ولكن هنا يجب أن نتساءل، هل إيران قوة عظيمة لتتمكن من محاربة الدول العربية بمفردها؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
منذ سقوط نـظام البعث والغزو الأمريكي للعراق، شهدت المنطقة ارتفاعا مطردا للدور الإيراني، خاصة في الشأن العربي، وبرز ذلك بشكل أكبر منذ تسلم الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما مقاليد الحكم، الذي يبدو أنه اتخذ قرارا بوضع منطقة الشرق الأوسط تحت الوصاية الايرانية؛ غير مبال بأي اعتبارات أخرى. وهنا أنقل شهادة الباحثة ايما سكاي ـ مستشارة القائد العام السابق للقوات الأمريكية في العراق ـ التي سمعتها أثناء لقائي بها، والمدونة لاحقا في مقالها «كيف تخلى أوباما عن الديمقراطية في العراق» حيث كتبت: «زرعت بذور تفكك العراق في عام 2010، عندما تنكرت الولايات المتحدة المتحدة لنتائج الانتخابات آنذاك، وفشلت في التوسط لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وأنا كمستشارة لجنرال أمريكي كبير في العراق كنت شاهدة على هذا، لقد أخبرني الجنرال أننا عملنا على استقرار العراق، وقمنا بتسليمه للإيرانيين، لحظة خروجنا».
لم تقف سياسة أوباما في دعم إيران عند العراق فحسب، بل امتدت إلى لبنان وسوريا، وذلك عن طريق عرقلة أي تحرك حقيقي للاطاحة بنظام الأسد، حفاظا على مصالح الشريك الإيراني، الذي أصبح بنظر أوباما منافسا لإسرائيل. فعلى الرغم من تعالي الأصوات الإسرائيلية المعترضة على الاتفاق النووي الإيراني؛ إلا أن الرئيس الأمريكي يمضي قدما من دون اكتراث، وهذا يعكس مدى جدية القرار الأمريكي في دعم إيران، خاصة لمن يعلم مدى التأثير الإسرائيلي في مراكز صنع القرار؛ ولكن الإدارة تنظر لحجج الإسرائيليين على أنها مجرد هواجس لا يمكن أن تصبح واقعا، إذ أنها تعتبر نفسها طرفا ضامنا للأمن الإسرائيلي، وهذه حقيقة! لا يخفى على أحد بأن سياسة الإدارة الأمريكية ـ في الوقت الحالي ـ تقوم على محاربة التطرف، من خلال تنصيب إيران على عرش الشرق الأوسط، وعلى العرب تحديدا؛ إذ تنظــر الولايات المتحدة للبلاد العربية على أنها حاضنة التطرف، وبالتالي فوجود إيران كشرطي في المنطقة هو الحل لمواجهة ذلك التطرف؛ لكن الحقيقة بأن دعم الولايات المتحدة لإيران هو جذر التطرف، فتقوية إيران على حساب العرب سيشعل المنطقة لمئات العقود ويعــيد القادسية، وذي قار!
حقيقة، إن الولايات المتحدة ترى دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، بأنها دول لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالعلاقة التي تربط الدولتين قائمة على المصالح فقط، إذ ليس هناك من عوامل دينية، أو ثقافية مشتركة. أما ما يدور من حديث عن دفاع مشترك، فهو مجرد كلام شفهي غير ملزم؛ وبالتالي ليس هناك من ضمانات حقيقية للوقوف إلى جانب الخليج ضد المد الفارسي، وليست «عاصفة الحزم»، ولا «كامب ديفيد» ببعيدتين؛ فالرئيس أوباما لم يقدم ضمانات جدية تجعل خادم الحرمين الشريفين يتحمل مشقة السفر.
إن سياسة المملكة الجديدة، خاصة «عاصفة الحزم»، كشفت للخليج العربي حقيقة شركائهم، وبينت هشاشة العلاقات المبنية على المصالح غير المتكافئة، كما أظهرت قمة كامب ديفيد عدم جدية الولايات المتحدة في دعم دول الخليج بالسلاح اللازم لضمان حماية أمنهم.
وبالمقابل فإن ما تملكه إيران من مقدرات نفطية، إضافة لنفط العراق، والمياه السورية الدافئة، هي عوامل تضعف من قوة النفط الخليجي ـ بعد رفع العقوبات ـ كسلاح مستقبلا، الأمر الذي سيفقد عنصر المصلحة مكانته، وستبقى نظرة الجهل والتطرف هي الأساس. فهل ستسمح المملكة لإيران بالسيطرة على نفط العراق، ومياه سورية؟ أم ستتحقق نبوءة الرئيس أوباما بذكر الملك فيصل رحمه الله، وتقلع طائرة كيسنجر إلى الرياض لبحث أسعار النفط، والملف الإيراني، وصفقة السلاح الأمريكي الجديد؟