حول خِطاب داوود: نسخة اليمين الجديدة..

جمعة, 2015-05-29 17:27
الكاتب والباحث عالي الدمين

أحياناً، نكادُ لانفقه سيرورة أحداث عالمِنا العبثي هذا، إلا إذا مارسنا التفطن الواعي في حدّه الأقصى، من موقع الخصم. سعياً إلى إدراك نِقاط التناقض الكوميدي في تلك الأحداث الملهاتية، كمنفذٍ آخر يسهل الولوج منه إلى فهمِها بحقيقتِها القائمة، الخفيّة وراء ستار قصديّات أصحابِها اللّيلي اللاّواضِح.
مثلاً، الظاهرة الدّهمائية/الجماعية داوود ولد أحمد عيشه، البطل السوبرماني الجديد لطبقة الأسياد، يُقدّم نفسه، وحُزيبّه الفتي، كحالتان نِضاليتّان خالصتان في سبيل الوحدة الوطنيّة الجامِعة، داخل حيّز بلدنا المعطوب، بآهاتِ قاطنتِه المُعذّبة.

لكنه، لايلبث ينسى في ظلّ ذلك حقيقة الأمر، أمرهِ هو. أي أنّ حزيبه الجاعِل من الشريحة البيظانية، كطبقة مُتسيّدة تاريخياً، وحتى في الحاضِر، مُنطلق قضيّته الأولى التي يُناضِل من أجلها. هو حِزبٌ يُناقِض دعواه الظاهِرة، مبدئياً، وعلى نحوٍ لايتحمّل أي تفسيرٍ تأويلي يُحاوِل قلب الحقيقة المُتجسدة واقعياً، في مظهر الدّفاع البائس، ذا الطابِع البرغماتي الرّديء. مايعني بالتالي، ثبات صفة العنصرية الشفونية المُهربّة عن قصدٍ واعٍ من ميدان الصّراع العلني، والآخِذة، كحالة حمية تعصبيّة، في الدّفاع عن مصالح طبقتِها الاجتماعية المُهددّة. والتي يُحاول عبثاً هو ومُناصري خِطابه، مُجسداً في حُزيبه ودعواه، نفيها بتطرّف. ولكنِهم عاجزون، أمام لسان الواقع الكِاشف لكُنْهِ خِطابهم الدّفاعي عن الشكل الاجتماعي السائد بهرميّتِه الفاضِحة، حين عبّر هو في بداية ظهورِه، على لسان النّحن الجمعيّة، عن استعدادِه للعنف المُضاد، المُدافِع عن نفسِه، وموقِع طبقتِه.

هذا، كما أنه أيضاً، يبدو للنّاظر منذُ الوهلة الأولى في ذلك الأمر، أن الرجل وحُزيبه ماهُما إلا حالتان مُضادتنان، في شكل الرّد، على الخِطاب الإيراوي/الحرطاني براديكاليته المُزعجة. الآخِذ بدوره في المُطالبة المُلحة بحقوق الشريحة الحرطانية، المُستعبدَةِ تاريخياً، وحتى الحاضر الكائِن. هذا دون أن ننسَى هُنا، إرث المُطالبة النّضالي الخاص بهذه الشريحة، الُممتدِ عبر عقود الماضي السابقة. مُجسداً في حركة الحر وماصاحبها من دعاوي تحرريّة، تجسدّت في خطابات بعض القادة. الأمرُ الذي يُسوّغ اعتماد ذلك التفسير لحالة خروج خطاب داوود المُضاد في ردّه المُدافِع عن حقوق طبقتِه المُتسيّدة، والتي أصبحت الآن مع مرور السنوات، الأيام، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، مُهدّدة بالزّوال، خاصةً مع الظهور الأخير للميثاق الحرطاني المُتفق عليه، تقريباً، من قبل جميع الفاعلين، في حقل الشأن العام.

إن هذا التفسير أعلاه، لحالة خطاب داوود عيشة، الفُجائي في ظهوره على أرض الواقع. يبدو معقولاً من ناحية التصديق، وعقلانياً في منطلقه التفسيري، لأنه يقرأ ظاهرة الخطاب ذاك على ضوء حالة الصراع القائم الآن، على أرض الواقع. والمتلوّنِ بلون شرائحي، فئوي. كما يبدو للموهوم الساذج. وهو في الحقيقة يتلوّن بداية ونِهايةً بلون النضال من أجل حقوق شريحة مسلوبة، من طرف الشريحة الأخرى، المُسيطرة على الحياة، بكافة أجهزة مجالاتِها. ولنتصوّر قساوة ذلك الآن؟ لعلّنا نعرف مدى الغبن الذي يشعرُه المُنتمين لتلك الطبقة، في عمق حالتها.

في الأخير أيضاً، فإنه من الأساسي في هذه الحالة، تجنّب نسيان الموقع الذي فضّله هذا الحِزب مؤخراً داخِل خريطة الصراع السياسي القائم، حين ذهب إلى صفِّ الموالاة، أيّ صفّ المُناصرين للنّظام العسكراتي/القبائلي المُتحكِّم. وهو شيءٌ كفيلٌ بتأييد وتعزيز التفسير أعلاه لهذا الخِطاب. المُدافِع في المقام الأوّل عن موقع طبقة الأسياد المُهدّد، بفعلِ صعود صرخات التنديد من الهامِش المُتسيّدِ عليه، هذا كُلّه، شريطة وعي ذلك بمُقارنتِه بحالة" إيرا" التي فضلّت ( مع أن طلب تصريح حزبِها " الرّق" لايزالُ مُعلقاً) في موقفها الظاهري العام، داخل المجال السياسي، مُعارضة النّظام المُتحكم، الذى ظهر أنه يرعى ويحرسُ الحالة الاجتماعية السائدة، دون أيَّ مُحاولة منه للتغيير، وخلق واقع أحسَن، يجدُ فيه الجميعُ ذاته، حين يُبصِر بداخِله، وفي مرآه الآخر المُشارِك في الانتماء للوطن. وهو أمرٌ يبدو أنه لن يحصُلَ مادام نِظام القبائل يتحكّم فينا على هذا النحو. ويشيرُ بعصاه ناهياً وآمِراً في نفس الوقت، عن طريق النظام العسكراتي المُتحِّكم.

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك