في مسيرة الحكم: لا زالت المقايضة منقوصة

جمعة, 2015-05-29 21:56
عبير ياسين

في واحدة من مقولاته المعبرة يقول الساخر المبدع جلال عامر: «في العالم الثالث يمتلك الحاكم حكمة لقمان ويمتلك رجل الأعمال مال قارون ويمتلك الشعب صبر أيوب»، تصور لمثلث لازال يحيط بنا مهما تغيرت تواريخ السنوات والاسماء، والأكثر أهمية أنه مستمر رغم الثورة والدماء. وضع يضاف إليه أن دور الشعب محدد بشكل واضح في الصبر والعمل وشد الحزام والاستناد إلى خبرات سنوات الحرب والهزيمة والبناء، من أجل تحمل معاناة الحاضر والمستقبل، بدون وجود نقطة تغير ايجابية في الماضي المطروح يمكن للشعب الرجوع إليها والتعامل معها بوصفها نقطة الوصول المستهدفة، أما الحاكم وحكمته فهي مرحلة تم تجاوزها وأضيف إليها الكثير من المصطلحات الخاصة بالمعرفة والتفرد، التي لا يملكها أحد، مع استمرار الحديث عن أهمية رجال الأعمال وتوفير المناخ لهم وجذب الاستثمارات وضرورة تخفيف العبء عليهم، كما كان الوضع أيام الرئيس الأسبق مبارك، مع تزايد الحاجة لمساندتهم عبر أحزابهم وإعلامهم التي تزايدت بعد الثورة لتتحول إلى رقم مهم في تفاعلات الواقع وفي مثلث الحكم والإدارة.
ولأن عاما يقترب على تولي رئيس جديد في سلسلة رؤساء مصر بعد ثورة 25 يناير، لابد أن يعود سؤال «الانجازات» كما تعودنا إلى الواجهة، عبارة بطبيعتها غير محايدة، لانها من البداية تؤكد أن ما سيتم إعلانه هو انجازات فقط مهما قلت نسبتها، لدرجة أن بعض الأحزاب اعتبرت أن انجازات الرئيس السيسي وصلت إلى 80٪. أما عدم الوصول إلى نسبة 100٪ فقد تم إرجاعها إلى الأوضاع الصعبة وغير الطبيعية التي تحيط بمصر. 
ومرة أخرى وكما هي العادة مع التصريحات العامة التي لا تستند لأسس واضحة لا يقدم من يقدمها أسبابه أو آليات الحساب، خاصة في ظل غياب برنامج رئاسي، وفي ظل صعوبات الوضع الاقتصادي والأمني المستمرة. ويظل السؤال.. هل حساب الانجازات مرتبط بشعور المواطن وتحسن مستوى المعيشة، أم بتمرير تخفيض الدعم على الشعب وتخفيض الضرائب على الأغنياء، ووضع استثناءات للحد الأقصى للأجور لبعض الجهات والفئات، أم بالاستناد للبرامج الحوارية وما تكرره عن المكانة والانتصارات التي لا تصل للمواطن عادة، أو لا تترجم لتغير ايجابي في أوضاع المعيشة بالضرورة.
وفي تلك اللحظة التي يبدأ البعض على هامشها في طرح ما تعرض له الرئيس الأسبق محمد مرسي خلال حكمه من انتقادات ومطالبات بانتخابات مبكرة، يتمثل التحدي الرئيسى للسيسي في القدرة على تمرير اللحظة بوصفها انجازا حقيقيا له. ولأن خطاب أن مصر ليست سوريا وليبيا أو العراق، قد تكرر كثيرا، كما تكرر خطاب الإرهاب ومخاطر جماعة الإخوان المسلمين كثيرا في الداخل، تبدو الحاجة لبيان من نوع جديد يقدم مع نهاية عام وبداية عام ويجمع بين التحديات القديمة والجديدة، مع طرح بعض الفرص والايجابيات المباشرة وغير المباشرة.
وفي هذا السياق يمكن وضع مجموعة من الأخبار التي صعدت للسطح خــــلال فترة قصـــيرة، وتحولت للحدث الأساسي في وسائل الإعلام المختلفة، بداية من مخاطر الفريق أحمد شفيق المرشح الأسبق للرئاسة، مرورا بالحديث عما يسمى بحركة البداية وعودة مجموعة البلاك بلوك إلى الظهور وغيرها من الاخبار المتشابهة التي يمكن التعامل معها وتحليلها بصور مختلفة. ولعل التساؤل عن العوامل التي تدفع لظهور تلك الأحداث على السطح في اللحظة نفسها وتوقيت نهاية العام الأول في الحكم وتعامل الإعلام معها من شأنها أن تصب في قراءة من القراءات المحتملة.
فمن جانب تساعد تلك الاخبار على تضخيم المخاطر التي يتعرض لها النظام، وفي حين يحاول البعض تقديم الحديث عن مساعي شفيق لتقديم نفسه بوصفه بديلا للسيسي، باعتباره جزءا من صراع حقيقي بين أجنحة لها خلفية عسكرية وارتباطاتها الداخلية والخارجية، فإن غياب الحديث عن تلك المخاطر وظهورها فجأة يمكن أن يمثل ورقة ضمن ملف التحديات المستحدثة. في حين يبدو الحديث المتكرر عن التحديات التي تمثلها بعض عناصر الفلول المؤيدين لشفيق والمستعدين لدعمه، بوصفها محاولة لتأكيد وجود فجوة بين السيسي والفلول، رغم المساحات التي تترك لهم في المشهد القائم. أما الحديث عن عودة البلاك بلوك وحركة البداية - بوصفها الحركة الشبيهة بحركة تمرد التي أعلنت أيام مرسي- فتمثل من وجهة نظر النظام إضافة لفكرة الضغوط التي يمثلها الإرهاب والتحركات التي تقوم بها جهات داخلية وخارجية من أجل التأثير على النظام والأمن وتقليل احساس المواطنين بالانجازات.
كل تلك الاخبار وما يرتبط بها من تحليلات وكتابات تؤكد المخاطر التي يتعرض لها الرئيس بشكل خاص، لدرجة حديث البعض عن دور الولايات المتحدة في تهديد الرئيس معنويا وسياسيا، عبر دعم بديل له في اللحظة أو المستقبل القريب، تصريحات تؤكد أن انجاز الرئيس الأكبر هو تحقيق الاستقلال الوطني والخصم من تبعية مصر للولايات المتحدة واستعادة ما تمت تسميته «أجزاء» من الاستقلال الوطني المصري. وبعيدا عن عدم تحديد معنى أجزاء وكيفية حسابها، أو ما تمثله تلك الأجزاء في النهاية من كل متكامل له معنى محدد، فإن الخبر نفسه نشر متزامنا مع لقاء الرئيس مع وزير الدفاع الأمريكي ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأسبق بليون بانيتا، الذي تم فيه التأكيد على قيمة قيادة السيسي من جانب الوزير وقيمة التحالف الإستراتيجي مع أمريكا من جانب الرئيس، وفقا لما أعلن في الاخبار المنشورة التي جاء فيها حديث مشابه في التوقيت نفسه من وزير الداخلية المصري عن أهمية التعاون مع أمريكا في المجال الأمني. وعلى المتلقي أن يبحث عن التناقض بين التبعية التي تسعى مصر للتخلص منها والتحالف الإستراتيجي الذي لا تتوقف القيادة السياسية عن الإشادة به، والتأكيد على قيمته وأهميته، وعليه أن يحدد بنفسه إن كان سيصدق الخطاب السياسي المباشر أو التحليلات التي تحاول أن تزيد من رصيد الانجازات.
وعلي طريقة عداد الانجازات اعتبر البعض القبض على ما يعرف باسم «سيدة المطار» دليلا على استعادة سيادة القانون، وعلى أن الجميع سواء أمام القانون، مع تبرير البعض لأحكام الاعدام بأنها خطوة ضمن خطوات تضمن العدالة، في الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء المصري، خلال زيارته للأردن رفض المصريين التدخل في شؤون القضاء، مؤكدا المقولة المكررة عن عدم التعليق على أحكام القضاء، في حين نشرت مطالبات بإعادة النظر في أحكام الإعدام بالجملة، ليس لما تمثله بالنسبة للعدالة ولكن لأنها تشوه صورة الرئيس في الخارج. المهم أن خطاب لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التاريخي الذي يستخدم لقمع كل الأصوات المطالبة بالحقوق والحريات يتسع مع الوقت لقمع الاعتراضات على الأحكام باعتبار أن لا صوت يعلو فوق صوت القضاء حتى أن كانت العدالة غائبة أو حبيسة أو مرفوعة من الخدمة، وهو أمر يمكن العثور عليه وسط السطور وأساليب المعاملة والفرص التي تقدم وغيرها من الأمور المحيطة بما قبل الحكم وبعده، التي لا تخص الصورة أو الشكل ولكن تخص العدالة وسيادة القانون الحقيقية.
من محصلة ما يحصل من جدل ما قبل ذكرى عام، وعلى هامش استمرار حديث الإرهاب وتنوع التهديدات، يطرح مشروع امتداد قناة السويس بوصفه الإنجاز الرئيسي للمرحلة، ومعه عدم تحول سيناء إلى سوريا وليبيا كما يرى رئيس الوزراء. في حين يتم استخدام اللحظة للتذكير بمخاطر المرحلة وأن الحديث عن الحقوق والحريات رفاهية تتناقض مع الواقع، لدرجة مطالبة بعض الكتابات بعدم التهاون مع الشباب المرفهين، الذين يتحدثون عن أشياء سابقة لوقتها. وفي حين تم الترحيب بتمرد أيام مرسي، يتم التعامل مع أي حديث عن الحقوق والحريات بالمطالبة بقمع ما بقي من مساحة أهملتها السلطة وفقا لهم على طريقة مسرحية «الزعيم» والبحث المستمر عن نسبة 1٪ الذي لم ينتخب الرئيس.
في مرحلة ما قبل الانتخابات ظهر في حديث السيسي أن الحقوق والحريات مؤجلة، وأن الانجازات قادمة، وبعد عام لازال الحديث عن الحريات مؤجل والعيش والعدالة الاجتماعية مؤجلة والمعاناة مستمرة. ولكن بالإضافة إليه هناك من يطالب بالقمع باسم الوطن، ومن يتحدث باسم المواطن، في الوقت الذي ينتهك المواطن كل لحظة بداية من طبقية فعلية قائمة على الارض لا تغيرها استقالة وزير أو تقديم بلاغ ضد مذيع بتهمة اهانة الشعب المصري، ولا يغيرها الحديث عن أهمية الشعب في التفويض، لأن دور الشعب هو الحشد أمام اللجان وأمام الكاميرات في الاحتفالات، والصمت في مواجهة تقليل الدعم لتأكيد خصوصية العلاقة مع الرئيس مع استمرار شد الحزام والبحث عن طرق سير الدراجات وسيارات الشباب والمصابيح الموفرة للكهرباء، أما الحرية ولأنها مؤجلة فالمطلوب ألا يبحث عنها أحد حتى ترى السلطة ومن يدعمها أن الوقت قد حان، وأن المطالبة بالحرية ليست جنونا، ومن يتمسك بالحرية في وقت الجنون عليه أن يكرر مع محمود درويش «وبي أمل يأتي ويذهب، لكن لن أودعه».