حول مفهوم التطاول

سبت, 2015-05-30 12:04
الكاتب والباحث أبو العباس إبرهام

في الديمقراطيّة الحقة لا يوجد شيء اسمه "التطاول". وجينيالوجيا المصطلح معروفة؛ فهو فهو مفهوم عشائري من زمن الارستقراطية حيث التراتبيّة الاجتماعية ثابتة بقانون "أخلاقي" وليس من حقِّ "الدونيين" رفع أعناقهم أو رصف أكتافهم مع "الأكابر" و"الأشراف". ورغم أن "التطاول" هو لجمٌ أيديولوجي حتى للتراتبية الاعتباريّة والمَكانية في داخل "الأشراف أنفسهم إلاّ أنه استخدمَ أساساً في ترسيخ وتخليق ثنائية "الأسياد" و"العبيد". وقديماً كانت تستخدم حجج "طبيعية" للجم "السوقة" عن "الأكابر" بالقول إن "العين لا تعلو على الحاجب" أو أن "الكبير" و"الشريف" هو "سيِّدُ" من "يتطاول" عليه. وسرعان ما مُتفزِقَ المفهوم حيث حُوِّلَت إشارة "التطاول في البنيان" في الأثر إلى مرتبية أخلاقية، عدا مرتبيتها الأخروية والنُذرية، ليُصبحَ "التطاول" علامة من علامات الساعة ونذراً بانحطاط العالم. وقد وصلت مأسسة المفهوم الاستبدادي للتطاول أن اعتبرت صلاة الممحوقين في الصف الأول تطاولاً على الأشراف" واعتبرَ رفعُهم العين في وجه المخاطب تطاولاً. وصارَ المفهوم سلاحاً أخلاقياً للطبقات السائدة للجم المستضعفين.

واليوم يستخدم نواطير الوضع القائم مفهوم "التطاول" لرفض وتشرير نزعات التحرُّر وممارسة الديمقراطية الاجتماعية وأفقية النقد. ويصلحُ المفهوم لديهم لتجييش الجموع اللانقدية عن طريق ربطها بالدفاع عن تحدي "القداسة" و"المكانة" بـ"التطاول" ورصفها لحماية "الحمى" و"الذمار" و"الهوية". وهكذا تُستخدم "مكانة" "رئيس الجمهورية" أو "الفقيه" أو "الزعيم" باعتبارها مكاناً رمزياً لا يمكن نقده سياسياً أو شخصياً، مع أنه سياسي وشخصي وعمومي.

لا يوجد شيء اسمه التطاول. هو من خرافات العشائرية الفكرية. كُلُّ أحد له الحق في نقد كلِّ وأي أحد. هنالك أوجهُ نقدٍ تافهة وغير أخلاقية (وحتى هنا نختلف لاختلاف غربالاتنا)؛ ولكن هذا لا يعرض لمبدأ الحق بالنقد للجميع. وأحسن طريقة لتفادي النقد، وإن كانت لا تضم النجاة مطلقاً، هي اعتزال الناس أو هجر المجال العام. أما دخول المجال العام بصفات سياسية وحزبية مع التمتُّع بعدم النقد فهي جزء من ديكتاتورية التطاول. وهي تضرُّ أشياعها أكثرَ مما تضر منتقديها.

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك