وجهة نظر حول مفهوم الحـرية

ثلاثاء, 2015-06-02 07:39
محمد عبد الجليل ولـد يحْـيَ

إن الإنسان كائن حر له ارادة وقدرة على الفعل، والحرية تشكل ماهية الإنسان في ذاته ومن أجل ذاته...هذه الحرية قابعة في كل انسان ، لاعمرلها ولالون ولاجنس ولاطائفة ولالغة.. فليس ثمت بشر صالحون للحرية وآخرون خارجون عن الحرية" (د. هيثم مناع)

اخترت أن أستهل هذا المقال بهذه الجُمَـل القليلة التي اختصرت ماهية الحرية ومدى ارتباطها بالإنسان من حيث هو انسان بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه وأصله القومي والاجتماعي وميوله الفكري. فالحرية –كمايقول الدارسون لحقوق الإنسان- هي أمّ وأصل كل الحقوق، واذاتخلى الإنسان عن حريته فمعنى ذالك أنه يتخلى عن صفته كإنسان وعن حقوقه الإنسانية. لكن ممارسة الحرية في المجتمعات المعاصرة لابد مناخضاعها لبعض القيود والضوابط، حتى لاتتحول النعمة الى نقمة، فبما أن حرية الأفراد قدتتعارض مع حريات الآخرين فإن القانون يضع بعض الشروط والضوابط لتنظيم ممارسة تلك الحريات، واخضاع التصرفلماتمليه  المصلحة العامة واحترام النظام العام بمدلولاته الثلاث. وذالك انطلاقا من مبدأ " حرية الشخص تنتهي عندما تمس حرية الآخرين" وهذا ماأشارت اليه المادة الرابعة من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسانوالمواطن الصادر 1789، حيث نصت على أن الحرية تكمن في "القدرة على القيام بكل مالا يلحق ضررا بالآخرين "

وانطلاقا مما سبق يمكن القول ان الحرية ترتبط بمفهومين: مفهوم ايجابي ومفهوم سلبي :

- فالمفهوم الإيجابي كما يقو ل د. محمد السعدي- " يعني أنه مقابل تمتع الأفراد بالحرية عليهم الوعي بالمسئولية وخدمة الصالح العام للمجتمع وتحمل تبعات أفعالهم ومواقفهم وقراراتهم على المجتمع والآخرين ، أي بمعنى آخر ضرورة تكريس ثقافة الواجبات مقابل الحقوق "

- أماالمفهوم –أوالوجه- السلبي للحرية فيقترن بحرية الفعل والتصرف وعدم الخضوع للقيود والضوابط القانونية التي تنظم ممارسة الحريات ، وحينها سيتحول مفهوم الحرية من مفهوم سامي لصيق بالطبيعة الإنسانية الى مفهوم عـائم يتخذه البعض ذريعة لهتك أعراض الآخرين ونبزهم بالألقاب ووشتمهم وسبهم بكل فنون وأنواع الألفاظ الساقطة والأوصاف البذيئة والدوس على الأخلاق والقيم. وهذا الوجه السلبي للحرية أصبح هو المفهوم السائد الذي يجسد معنى الحرية في مجتمعنا –للأسف- فأصبح المفهوم الإيجابي للحرية -الذي سبق تعريفه- استثناء، والمفهوم السلبي للحرية هوالقاعدة، وهذا ماأضحى جليا خلال السنوات الأخيرة –وخصوصا بعد تحرير الفضاء السمعي البصري- فعلى مرأى ومسمع من الجميع في الشاشات التلفزية وعلى أثير الإذاعات وعلى المواقع والصحف وفي المساجد والأماكن العامة أصبحت أعراض الآخرين- رئيسهم ومرءوسهم- فريسة ينهش منها كل من هب ودب من ضعفاء العقول ومن هم صفر اليدين من قيم وأخلاق، وتم الإجهاز على مابقي من أخلاق وقيم هذا المجتمع المحافظ. ولم تحرك الدولة ساكنا من أجل ردع أولئك الثلة، وكأن لاقانون في هذا الدولة يضبط وينظم المساحات والحدود الفاصلة بين أفراد المجتمع ، ويحمي حقوقهم  ويمنع الحاق الضرر بهم سواء كان ماديا أومعنويا!

فبالحرية-السلبية- تمت مأسسة الخطاب العنصري والشرائحي وبث النعرات الجاهلية المقيتة بين أبناء الشعب الواحد ، وزرع البغضاء والتفرقة بينهم، والسعي الى تفكيك نسيج وحدتنا الوطنية..!

ماهكذا يتم تجسيد المعاني السامية للحرية ياحكومة موريتانيا ، فلا بد من وجود ضوابط وحدود للحرية والسلطة معا أساسها احترام النظام العام وحماية حقوق الأفراد. " فاستقرار المجتمع وتنظيمه مرتبط ببتحقيق التوازن بين الحرية والسلطة-كمايقول د. محمدالسعدي-

فمقابل تمتع المواطنين بالحقوق والحريات عليهم واجبات ازاء المجتمع والآخرين. لهذا فإن اطلاق العنان للحرية باستخدامها في الجانب السلبي- الحرية المطلقة- غير مستساغ في المجتمعات المعاصرة لأنها تنتج الفوضى وتؤدي الى انهاء الحريات وافقادها معناها وقيمتها والغاية منها وافراغها من معانيها السامية بوصفها أهم ركائز وأسس حقوق الإنسان المرتبطة واللصيقة بالطبيعة الإنسانية.