عام من الإنجازات «السيلفي»

أحد, 2015-06-14 00:45

«وفي يوم 25 مارس 2014 أعلن المشير عبد الفتاح السيسي استقالته من منصب القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي وتنازل عن بدلته العسكرية التي كان يعشقها على مدار أكثر من ثلاثين عاما».
لم ترد تلك الكلمات في عمل درامي أو في نص ساخر أو في حوار عابر ضمن البرامج الحوارية، ولكنه جاء ضمن الكثير من المقولات المشابهة التي وردت في التقرير الصادر عن المكتب الإعلامي للرئيس حول إنجازاته خلال عام من توليه السلطة. والتقرير الذي لا يتجاوز مجموعة من الاخبار والأرقام التي تمت صياغتها تحت عناوين أريد بها أن تكون براقة، فكانت ساخرة على أقل تقدير ومكررة من مدرسة الإنجاز الرئاسية المصرية، يتقاطع في كثير من لمحاته مع ما أسميه أغنية المرحلة الخاصة بفترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وهي أغنية «اخترناه» لأنها تفرض نفسها مرات كثيرة عند مناقشة ما يحدث والتعامل معه.
من ناحية يؤكد «التقرير» في ما جاء فيه على التحديات التي واجهت مصر، والتي تتشابه في جوهرها المقدم مع تلك التي أحاطت بفترة تولي مبارك للسلطة، من حيث التأكيد على مقاطعة النظام – مصر بعد اتفاقية السلام مقابل مصر بعد ثورة 30 يونيو- من قبل العديد من دول العالم، التي تجعل من يقبل «تكليف» الرئاسة محاربا من طراز خاص، لأنه يقبل الدخول إلى عالم من المشكلات ليست له علاقة بأي نوع من»التشريف والملك والجاه». كما أنه اتبع الصيغة الدائمة نفسها في تجميل مبارك، وهي الصراحة في مواجهة الجماهير عبر الحديث الدائم عن المشكلات على طريقة تصريحات السيسي الشهيرة قبل توليه السلطة «مش قادر أديك»، التي جاءت أكثر تطورا من مرحلة مبارك، والتي حاصرت المواطن دوما بأنه عبء على الدولة وعلى مواردها وعلى نموها، من دون الإشارة لما يمثله المواطن من قيمة وهدف ووسيلة، ومن دون محاربة الفساد والإفساد الذي يتحول مع الوقت إلى جزء من النظام الذي يحاصر المواطن، ولكن الأغنية لم تر كل تلك السلبيات واعتبرت أن الرئيس يكفيه فخرا أنه «بيحكلنا عن مشاكلنا.. ويقلنا على البير وغطاه» وكأن دور الرئيس هو ترديد المشاكل التي يعرفها المواطن ويعيشها ويرتبط بها بعلاقة متينة.
تشيد الأغنية بتلك الشخصية «الصريحة» في تحمل عبء السلطة بالقول «لا بيخدعنا ولا مطمعنا بكلام انشاء ملهوش معنى»، ولهذا تتماشى مع كل مرحلة وتحمل قدرة خاصة على الاتساع يسمح بالاقتداء بها في كتابة تقارير الانجازات السنوية، من أجل إضفاء بعض الحيوية والجمال على الارقام التي يصر الرئيس بشكل مستمر على تلقينها للمواطن، أو بمعنى أصح تكرارها وإضفاء معنى علمي على حوار لا يغير من حقائق الواقع، مثل تلك الأرقام التي أشار لها التقرير في ما يتعلق بالاهتمام برعاية محدودي الدخل وتحسين ظروف حياتهم، وتحديد الحد الأدنى للدخل، من دون أن يشير لتأثير الإلغاء التدريجي للدعم وارتفاع الأسعار والقبول باستثناءات على الحد الأٌقصى للدخل، والاستثناءات على الضرائب الخاصة بالدخل المرتفع وغيرها من الأمور التي لا تتماشى مع فكرة الرعاية.
أما مقولة رعاية محدودي الدخل فتعد واحدة من المقولات الخالدة في مصر، مثل مقولة عام من الانجازات، ولهذا استمر الدخل محدودا والمعاناة متزايدة رغم تقارير الإنجازات التي لم تمنع حدوث ثورة وتضحيات ومعاناة مستمرة. بالطبع يمكن لمن يكره الثورة الإشارة لعدم صبر الشعب حتى يكمل الرئيس طريقه على طريقة الأغنية «وهنتحمل لما نكمل المستقبل واحنا معاه»، والقول بأن المعاناة استمرت، لأن الشعب لم ينتظر أكثر من ثلاثة عقود، وربما يكون على الشعب التعلم من الماضي والقبول بفكرة أن عدد السنين والشعور بالمعاناة ليس لهما معنى، مادامت تقارير الانجازات السنوية تجد ما تكتبه وتضخمه من أجل تطبيق مقولة «اخترناه وبايعناه واحنا معاه لما شاء الله»، ولهذا ظهر من يطالب بمد الفترة الرئاسية الأولى للسيسي عن الفترة الدستورية في استباق مبكر للأحداث وتفويض ممتد.
لا تتوقف التحديات أو الاسقاطات على عالم مبارك، فهناك حديث الحرب الذي يقصد به بشكل مباشر الحرب على الإرهاب، ويتسع أحيانا في التعامل ليصل لفكرة التحدي التي لا تختلف عن استرداد الأرض، وهنا يتكرر في الخطاب الدائر حول إنجاز ترشح السيسي الحديث عن إنقاذ مصر من خطر الإخوان بوصفه نوعا من العبور الذي يتحدى عبور الرئيس الأسبق محمد أنور السادات وتحرير سيناء، ويجعل السيسي امتداد لفكرة الحرب والتحرير وضرورة بناء السلام، مع ما يرتبط به من تحديات بناء العلاقات واستعادة ما تأثر عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من السلطة. لا تتوقف فكرة بناء البطل الخارق الممثل لكل ما مر على مصر من رؤساء مع محاولة تضخيم الصورة، عبر الربط بالانجازات الأساسية التي ارتبطت بكل فرد، أو التحديات التي واجهها. تلك الطريقة لا تصلح فقط في بناء فكرة البطل الاسطوري، التي يتم تغذيتها من البداية بفكرة الحلم الخاص برئاسة مصر والسيف الأحمر والساعة الأوميغا، ولكنها تصلح أيضا في مطالبة الشعب بالصمود والانتظار على طريقة كل العقود التي مرت بمصر منذ ثورة يوليو 1952 التي تقدم بوصفها أيقونة الثورات أو الثورة الأم التي تتفرع منها الثورات المصرية وتكتسب شرعيتها منها ومن كونها مجرد امتداد لها. صورة يتم من خلالها تضخيم صورة البطل والتماهي مع صورة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، مع تأكيد دور الجيش في فكرة وفعل الثورة، باعتبار أنه من قاد يوليو ومن قدم عبد الناصر لرئاسة أو قيادة مصر ومن بعده بعقود قدم السيسي الذي ضحى بالبدلة العسكرية.
لا يعبر التقرير المشار إليه عن تلك الصورة للبطل بطريقة تتناسب مع الرغبة في صناعته أو في الصورة التي قدم بها قبل ترشحه، والتي يتم طرحها باستمرار للدفاع عما يحدث وتمرير السلبيات والمخاطر، ولكنه يعبر عن حالة الفجوة القائمة بين الصورة المقدمة والواقع المشاهد. قبل ترشح السيسي للانتخابات احتفظ بمساحة محسوبة في ما يتعلق بالظهور المباشر، ومع طرح فكرة ترشحه وما ارتبط بها من ظهور مباشر ظهرت فجوة يصعب إنكارها بين الصورة والواقع. بالطريقة نفسها جاء ما يسمى تقرير انجازات عام، أقل بكثير من أن يعبر عن صورة مصر الحضارية التي يطالب بها الرئيس، كما يرد في التقرير، حتى أن مقولاته في بعض المناسبات ترد في التقرير، من دون إعادة صياغة يتناسب مع اختلاف ما يقال ارتجالا مع ما يمكن أن يكتب في تقرير سنوي. كما يسقط التقرير في فخ آخر متكرر لدى من يحاول التجاوز عن السلبيات فيكون مثل الدب الذي قتل صاحبه، ففي محاولة التقرير تضخيم بعض تحركات الرئيس تعامل معها على طريقة السبق الخبري، رغم أنها جزء من تقرير انجازات يفترض أنه عام، يتناول قضايا وليس أحداثا مستقلة أصبحت جزءا من الماضي، حيث تمت الإشارة إلى ما أطلق عليه أنشطة غير نمطية للرئيس، وضمنها زيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية عشية عيد الميلاد المجيد، باعتبار الزيارة تأكيدا على أن الشعب نسيج واحد، ولكن من شأن تقديم الزيارة بتلك الطريقة إثارة التساؤل حول إدراك من وراء التقرير لتلك الحقيقة ووضعها بشكل مستقل بدلا من وضعها في سياق أكبر يتعلق برؤية الرئيس لفكرة المواطنة وحرية الأديان واحترامها. ويتكرر الأمر نفسه في التعامل مع زيارة الرئيس للسيدة التي تم الاعتداء عليها، أثناء احتفالات ما بعد الانتخابات، والتي قدمت بوصفها نشاطا غير نمطي، رغم أن الحدث نفسه غير نمطي بالطبع، وكان يفترض أن يوضع في سياق يخص التعامل مع المرأة ومكانتها وضرورة احترام المجال العام ورفض العنف بكل صوره، بدلا من الإفراد الخبري المتكرر بصورة تتناقض مع أن يكون التقرير هو تقرير انجازات عام لرئيس دولة بحجم مصر، ناهيك عن أن يكون تقرير انجازات لرئيس يقدم بوصفه المنقذ والمحرر.
في واحدة من الانجازات التي توقف أمامها الكثير من التعليقات الساخرة أو الناقدة، أشار التقرير لاهتمام الرئيس بالشباب، من خلال حرصه على حضور مجموعة من الشباب في الزيارات التي يقوم بها، ومن خلال صورة «السيلفي» التي أخذها مع الشباب في ختام المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ. ولكن على الرغم من أن هذا التعبير وحده يكشف عما يحتويه التقرير وما يقدمه عن عقلية الانجازات المقدمة، بعيدا عن الأرقام الكثيرة الواردة فيه، إلا أنه يتسق بشكل كامل مع مجمل التقرير وروحه. وإن كان حضور الشباب دليل اعتراف بالقيمة والأهمية، فإن الصورة لابد أن تكون «حلوة» من أجل تجميل صورة الوطن، وعلى كل مواطن المطالبة في التقرير المقبل بصورة مع الرئيس حتى تنتهي المشكلات، وربما يكون واحدا من انجازات العام الجديد التفكير في طريقة جديدة لكتابة انجازات العام المقبل، لا تبدأ من أغنية «اخترناه» ولا تردد معها نشيد اختيار الشعب وعالم التفويض ولا تشيد بالصور السيلفي، وتأتي على طريقة «ما يطلبه المستمعون» أو الشعب بدلا من «اخترنا لك».