هكذا وصل تنظيم “الدولة الأسلامية” الى”البلقان”

أربعاء, 2015-06-24 00:49
جاسم محمد

يعمل تنظيم”الدولة الاسلامية”على توسيع حضوره في مناطق جغرافية متباعدة، وهذا من شأنه ان يفتح جبهات متعددة من اجل تخفف الضغوط عن معاقله. تبقى وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الاكثر فاعلية بالحصول على انصار وتدفق مقاتلين جدد. ألتنظيم مازال يمثل قوة جذب للمقاتلين الاجانب في الخارج، رغم تراجع ألمساحة التي يقف عليها في العراق وسوريا و تصاعد الخلافات مابين قياداته من الداخل.

كشفت التقرير والتحقيقات المعنية بتوسع الجماعات “الجهادية” جغرافيا، لتكون دول البلقان مصدرا لتدفق المقاتلين الى تنظيم “الدولة الاسلامية” والجماعات “الجهادية” الاخرى. وبعد أن تم القبض على أعضاء في تنظيمي النصرة وداعش في كل من كوسوفو وألبانيا والبوسنة، اصبحت “البلقان” محط أنظار أجهزة الأمن والاستخبارات خاصة الأوروبية. يذكر بأن التقديرات تشير الى وجود خمسة ملاين مسلم في دول البلقان، يوغسلافيا سابقا.  وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” في 10 يونيو 2015 تقريرا تقول فيه إنه بعد مرور عام على سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل، لا يزال التنظيم يدير عملياته في العراق وسوريا. ويفيد التقرير بأنه بالنسبة لدول البلقان، فيعد المقاتلون من البوسنة الأكثر عددا (330)، ومن كوسوفو (100- 150)، وألبانيا (90)، وصربيا (50-70)، ومقدونيا (12). ويقول “بليريم لطيفي” المختص في الشؤون الدينية في جامعة “بريستينا”، أن “كوسوفو التي استقلت عن صربيا في 2008 تعاني من أزمة سياسية عميقة مصحوبة بفساد متأصل يجعل الأفق مسدودا أمام الشباب”. ويضيف أن “عامل انعدام الفرص الاقتصادية أمام الشباب في كوسوفو على درجة كبيرة من الأهمية، وهذا العامل يترك الباب مفتوحا أمام الجماعات الظلامية لتعبئتهم أيديولوجيا”. وهذا ما يفسر جزءا من التحاق عدد كبير من الشباب اليائس بالجماعات الإرهابية في العالم وخاصة في سوريا والعراق. هذه الحقائق تجعل العامل المادي ربما يتقدم على عوامل التجنيد الاخرى مثل الغسيل الايدلوجي او بسبب سياسات التهميش في اوربا والبحث عن الهوية.

مهام مقاتليي البلقان

تتركز مهام المقاتلين الاجانب من البلقان ودول اسيا الوسطى على المهام القتالية، وتبقى اللغة هي التحدي الكبير امام هذه الجماعات. التنظيم يتبع سياسة تقوم على دفع المقاتلين المحلين من سوريا والعراق الى الجبهات الامامية، اما المقاتلين الاجانب فتقع على مسؤوليتهم ادارة امن”الولايات” والحواجز وربما المعابر الحدودية. هذه السياسية اثارة غضب الكثير من المقاتلين المحلين. إن ظاهرة الانتحاريين بين جماعة البلقان ربما اقل نسبيا فقد كان “بليريم هيتا الكوسوفي” البالغ من العمر 24 سنة ثاني “جهادي” من البلقان ينفذ عملية انتحارية تودي بحياة 52 عراقي منتصف اذار 2015. أما الحالة الثانية  فكان لانتحاري  “إمرا فوجنيكا” من البوسنة يبلغ 23 سنة، وقد فجر نفسه في سوق مكتظ في بغداد فقتل 24 شخصًا من بينهم 11 امرأة و6 أطفال. فمازال هنالك تدفق للمقاتلين الأجانب من البلقان وتشير الاحصائيات إلى وجود 600 إلى 700 مقاتل من البلقان الغربي داخل داعش وقليل منهم مع جبهة النصرة، الذي يضم (كرواتيا وصرببا والبوسنة والهرسك ومونتينيغرو وكوسوفو ومقدونيا وألبانيا).

دعوة “للجهاد”من داخل البلقان

 بعد مرور 15 سنة على آخر نزاع مسلح في البلقان، مازالت هنالك مخاوف من الكراهية والاثنية. وهذا مادفع انصار داعش ان يدعو “للجهاد” خلال زيارة البابا “فرنسيس″ الى “سراييقو” في 6 يونيو 2015،  البلقان في شريط مصور يحمل اسم “أبو مقتل الكوسوفي” قائلا [ أن أياماً صعبة ستواجه الكفرة في البلقان] هذا الاعلان هو اشارة الى توسع داعش في مناطق جغرافية جديدة ورسالة تهديد مفتوحة. إن الجغرافية التي يتمدد عليها هذا التنظيم تستحق الدراسة والاهتمام، فأن البلقان خاصة دول يوغسلافيا السابقة تعتبر خاصرة اوربا من الجنوب وتحظى باهتمام دفاع وامن اوربا.

ومايدفع الشباب الالتحاق بداعش هو الدعم المالي والدعاية، ذكرت أعترافت منشقين وشهادات من داخل تنظيم “دولة داعش، بأن المقاتلين الاجانب يحصلون على امتيازات مادية اكثر بصحبة عوائلهم، ويحصل الشبابا ممنهم على فرص الزواج بدعم من زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي. تنظيم داعش يعمل على إستقطاب المقاتلين الاجانب من اسيا الوسطى والبلقان ودول اخرى عبر شبكة عمل جميعا تمر عبر تركيا قبل دخولها سوريا ثم العراق. وهذا يعني ان الوضع المالي الذي يتمتع به تنظيم داعش ينعكس ايجابا على التنظيم بتدفق مقاتلين والحصول على الخبرات. الخبراء يؤكدون بان القضاء على التمويل يعني القضاء على التنظيم، هو العصب الرئيسي لهذه الجماعات. بعض التقارير الصحفي قدرت ثروة التنظيم اليوم بما يفوق 8 مليارات دولار،  بعد نهب البيوت والممتلكات في جميع الأماكن التي احتلتها، والسيطرة على مصادر الثروة والبنوك بالاضافة الى”الضرائب والاتاوات” التي تحولت الى مصدر رئيسي للتنظيم.

جهود مكافحة الارهاب في البلقان

إن مشكلة تدفيق المقاتلين الاجانب الى سوريا والعراق ربما تكون اكثر تعقيد من دول يوغسلافيا السابقة، هذه تعود الى اسياب الصراع الاثني والعرقي والمذهبي في اعقاب انهيار دول الاتحاد السوفيتي عام 1990ـ1991 واندلاع الحرب الاثنية العرقية مابين المسلمين والصرب والتي نتج عنها تدخل دولي وتقسيم جديد لدول المنطقة. ويلعب العامل الاقتصادي دورا في اندفاع بعض الافراد والجماعات للالتحاق بالجماعات المتطرفة، ابرزها داعش، يذكر ان التحاق جماعة “البلقان” ربما تختلف عن ظاهرة “الشيشان” اتي وصلت على شكل كتائب وفصائل. اي ان تأثير مقاتلي البلقان ربما اقل تاثيرا في المشهد “الجهادي” من دول اسيا الوسطى.

المشكلة ان دول يوغسلافيا السابقة، تواجه مشكلة النقص في التمويل وربما في الخبرات بالتعامل مع هذه الجماعات المتطرفة. ولدى اجهزة الامن قائمة بأسماء المقاتلين الذين غادروا الى سوريا والعراق او العائدين، لكنها غير قادرة مواجهة تلك التهديدات. وتتبع الحكومة سياسة مواجهة”الدعاية الجهادية” لتنظيم داعش. وتنفيذا لتوجيهات ابو يكر البغدادي في اعقاب التحالف الغربي ضد داعش في سبتمبر 2014، فأن هذه الجماعة تنفذ عمليات “الخلايا المنفردة” في البلقان وهناك بعض حالات الطعن بالسكين ضد جنود واغتيالات ضد رجال دين حاربوا هذا التنظيم فكريا. وسبق ان  أصدرت حكومات “البوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا” عدد من القوانين للحد من تدفق المقاتلين. اتخذت بعض الحكومات ابرزها “البوسنة” خطوات لتعديل القانون الجزائي لتجريم كل شخص يثبت انضمامه اودعمة للجماعات المتطرفة وفرض العقوبات. تبقى امكانية مواجهة التطرف والسيطرة على حركة المقاتلين مابين البلقان وسوريا والعراق صعبة بسبب ضعف الامكانات المادية والخبرات. ومايعزز هذه الفكرة ان تصريحات مسؤوليين استخبارات اوربيين وغربين صرحوا قبل هذا، انه لايمكن وقف الدعاية “الجهادية” بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، ابرزهم مسؤول ال (F.B.I) الذي صرح يوم 19 يونيو تصريحا يحمل ذات المضمون. ورغم تشابه في “البلقان” ودول اوربا الغربية، تبقى ظاهرة البلقان اقل اهمية. بات معروفا ان تنظيم داعش يستغل المواجهات مع خصومه بايجاد مساحات جغرافية جديدة يعلن ظهوره وان كان رمزيا، لتعويض خسارته في المنطقة. ومهما كان فأن حصول التنظيم على مثل هذا النوع من الاعلان او الدعاية في مساحات جغرافية مثل “البلقان” يبقى محدودا وفي حدود “الدعاية”، ويبقى اعلان إمارة”البلقان” على غرار إمارة ” القوقاز″ربما ضعيفا.