عبد الله البو: حين يمتح غلام الكذب...

خميس, 2015-06-25 13:14
الكاتب عبد الله البو

كان جميل من هواة فوتو شوب، يتسلى بجمع الصور وعرضها على زملائه النواب لاختبار قدرتهم على كشف الصور المركبة لتوصيلة غير شرعية على خط إديني... ذهب جميل، فنسي الناس صوره البلاغية والفوتوغرافية، وجاء فتاه الذي لا يكاد يبين فركن إلى وسائل الإيضاح علّ السامع يدرك ببصره ما عجز كلم ( ليست اختصار كيلومتر يا غلام) النائب عن إيصاله إليه. حمل فتى جميل خبزه الحافي إلى قبة البرلمان حيث شرح لزملائه، ومنتخبيه ومشاهديه، ومتابعيه على الفيس، الفرق بين مبورو، والخبز، والعيش، مقارنا الأوزان، والطعم والألوان، ثم قرر بعد شهور من عسر الهضم، أن يعطي (مبورو ماه) فتأبط دلوا وتوشح رشاءً طويلة ودخل البرلمان دخول الماتحين. وفعل (حاسي نولْ) فعلته فجرت سواقيه بما أذهب عن النائب عسر الهضم وألم المغص، وكل أشكال (الثملة)، فتجشأ وحمد الله على ما جرى... وطفق يبحث، بعد أن آنس من نفسه خفة، عن موضوع لخرجته القادمة، فوقع على الفساد فاستمسك به.

دخل الملعب الأولمبي، حيث أقام وإخوانه، ذات مساء مختلط صاخب، مهرجانا "للإنشاد الشرعي". تفقد المكان وهو يهرول فرأى الفساد متجسدا في مباني جديدة استثمرت مساحات ظلت أرضا بورا لعقود عديدة، ثم انعطف، في رحلته الاستشفائية، إلى مدرسة الشرطة فراعه تشييد محلات لا يعرف النائب أصحابها، فكان ذلك برهانا على أنها صفقة فساد مكتملة الشروط؛ فقد أعلن في وسائل الإعلام عن بيع تلك القطع الأرضية بالمزاد العلني وفق شروط استثمار واضحة... لكن النائب الثمل بخبزه لا يرى في كل ذلك سوى الأفعال الشنيعة لحكومة (مراسَ) ماتحا من قاموس أستاذه الألسن بعض استعاراته، فهو "كنائب" (المشبه بالشيء لا يقوى قوته) يملك "معلومات كارثية" تجعله يتباكى على منازل أثرياء كانت قيمتها التجارية المفترضة تساوي مئات الملايين، لكنها لم تعد تساوي شيئا لأن حكومة (المراسَ) بنت إلى جوارها مستشفا ومخبرا لمرض الالتهاب الكبدي الذي يعانيه الكثير من ناخبي النائب ومتابعيه. جريمة حكومة (المراسَ) من وجهة نظر النائب المحترم أنها تبني المستشفيات، وتحيي الأراضي الموات، فتترتب على ذلك نتائج كارثية تتمثل في هبوط القيمة التجارية المفترضة لبعض المنازل في تفرق زينه حسب التحليل الاقتصادي لنائب عن تواصل يناقش معدلات النمو بالاستناد إلى سعر الخبز ووزنه، ويفكر في تسجيل البيت الذي يبنيه في عين الطلح، في بورصة الأوراق المالية...

ثم ينتقل فتى جميل إلى ما يتقنه أكثر؛ الاتهام دون دليل، وكثرة القال والقيل. فيتهم موظفي الخزينة بأنهم "مجموعة مهجنة... تلاميد النعجة دوللي... مستنسخين..." من خاض في ما لا يعلم أتى بالعجائب. شتان بين التهجين والاستنساخ، يا غلام. يعلم ذلك من تدرج في الدراسة النظامية بشكل طبيعي...

يستند غلام في اتهاماته إلى مصادر موثوقة... وثائق يزعم امتلاكها وأسماء وأرقام هواتف... استظهر ببعض الأوراق التي لم يسمح لزملائه النواب بالاطلاع عليها وهو داعية الشفافية. فمن السهل أن يرفع أحدهم ورقة يدعي أنها وثيقة ثم يحتفظ بها لنفسه دون أن يطلع غيره على مضمونها. فلو كان النائب يمتلك وثائق تثبت دعاواه العريضة لوزعها على النواب، ولسلمها لوسائل الإعلام التي يمتلك حزبه جميع أشكالها الغالية والرخيصة... يستند النائب الموقر، بخلاف وثائقه المزعومة، إلى تقرير مركز بحثي تعمد عدم ذكر اسمه لأنه ينتمي إلى ذوات الأربع التي ينتمي إليها النائب نفسه، أما الخبير المعروف فهو من نفس الشيعة، طالب في الجامعة الدولية اللبنانية، فرع نواكشوط... وقديما قالوا: "إلى أمه يلهف اللهفان."

أخيرا يعتذر محمد غلام لزملائه النواب عن عجزه عن حمل العمارات والمحلات إلى قبة البرلمان، لكنه طمأنهم إلى أن الذين غلّوها سيحملونها يوم القيامة، كما قد يحمل هو شيكا بلا رصيد خلفه في الإمارات حيث كان يسهر الليل وينام النهار... سيستمر فتى جميل في لعب دور الحاوي؛ يصل حبل كذبه القصير بقطعة خبز، ورقم هاتف، وأسماء متغيرة، حتى يهوي، مثل أستاذه..."هوي الدلو أسلمها الرشاء."