مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، أراد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع إدخال ألفاظ جديدة إلى قاموس الإعلام السياسي، تكرس النظام الرئاسي، وتقتطع نصيبا للوزير الأول من كعكعة الزخم الإعلامي لأنشطة السلطة التنفيذية، فتم استحداث عبارات من قبيل "التوجيهات النيرة لفخامة الرئيس التي تسهر حكومة معالي الوزير الأول (...) على تنفيذها"، و "العناية الخاصة التي يمنحها فخامة رئيس الجمهورية لــــــ(كل شيء...!!!)".
وإن لم تخُنْني الذاكرة، فإن أول من استخدم هاتين العبارتين كان المرحوم محمد الأمين ولد أحمد، الوزير الأسبق للمياه والطاقة، الذي كان من أحسن وزراء التسعينيات خُلقا، وطبع بنشاطه المتميز واحدة من أهم الوزارات الخدمية.
منذ ذلك التاريخ، وأنوار التوجيهات وشآبيب العناية الرئاسية تغمر الشعب الموريتاني،ولم يخْلُ منها أي خطاب رسمي، مهما كان زمانه ومكانه ومناسبته.
وأذكُرُ أن أحد كبار المسؤولين تظلَّم مني لدى مدير الإذاعة الوطنية لأنني حذفتُ مقطعا من خطاب له فى افتتاح حملة لنظافة مدينة انواكشوط، يقول فيه بالحرف الواحد: " إن هذه الحملة تندرج فى نظاق العناية الخاصة التي يمنحها فخامة رئيس الجمهورية للقمامة...".
وتحت إصرار وضغط المسؤول السامي، أمرني المدير العام أن "أردَّ إلى الرجل قُمامته"، لكن المقطع المحذوف كان بالفعل قد أخذ مكانه فى سلة مهملات بقاعة التحرير اختلط فيها حابل الأشرطة المغناطيسية بنابل مِقَصَّات يومٍ حافل بالأنشطة الحكومية.
وتشاء الأقدار أن ألتقيَ المسؤول السامي بعد فترة، فيُعبِّرَ لي بأسلوب غير لبق عن استياءه من " لفَّةِ القدم" التي قمتُ بها، والتي " أفقدت خطابه أسمى معانيه"!!!.
أستحضر اليوم هذه القصة وعمرُها أكثر من عشرين سنة، وأنوار التوجيهات وشآبيب العناية الرئاسية لا تزال تنهمر علينا بمناسبَة وبغير مناسَبة، ولا يزال فخامة رئيس الجمهورية يمنح نصيب الأسد من توجيهاته وعنايته للقمامة والأوساخ.
قصتنا مع هذا الثنائي كقصتنا مع الفساد، ففي أول "بيان رقم1" قالت اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني إنها "أطاحت بالنظام البائد لوضع حد للفساد"،وبعد 30 سنة من ذلك التاريخ، قرر المجلس الأعلى للدولة " الإطاحة بالنظام البائد لوضع حد للفساد".
فهل لعجزنا عن القضاء على الفساد والقمامة والأوساخ علاقة بالمجلس الأعلى؟ أم أن لُبَّ المشكلة كامنٌ فى المجلس الأسفل، وربما فى المجلس الأوسط؟