المسلمون والمهمة المستحيلة!

اثنين, 2015-06-29 19:43
توفيق رباحي

ما حدث الجمعة الماضية في سوسة التونسية والكويت العاصمة هو الاستمرار الطبيعي لما حدث قبل سنة في الموصل والرقة ومناطق شمال سوريا وغرب العراق، وقبلها في أكثر من مكان آخر.
لا جدوى اليوم من البكاء على كل هذا الدم المسكوب! عندما يتجاوز العالم مرحلة الصدمة والذهول، سيكون مطالَبا ببدء البحث، ليس عن حلول جذرية لمواجهة التطرف الديني المستفحل وما يترتب عنه من ردود فعل سلبية، بل عمّا من شأنه أن يخفف قليلا الآثار الخطيرة المترتبة عن ذلك وعلى اكثر من صعيد.
البداية يجب أن تكون من سؤال جوهري: كيف ولماذا وصلنا إلى هنا؟ 
لا شك أن الإرهاب الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية يحصد من المسلمين مئات الأضعاف مما يحصد من غيرهم، ويدمّر من أموالهم وممتلكاتهم أضعافا مضاعفة مما يصيب غيرهم، ويعيدهم للوراء قرونا مقابل تقدم الآخرين قرونا أخرى. 
في المقابل، لا شك أن الدعم الأكبر الذي يلقاه التنظيم، بشريا وماديا ومعنوياً، هو من المسلمين وفي صفوفهم.
صحيح أن وسائل الإعلام العالمية تفضل التركيز على «الجهاديين» الغربيين الذين يلتحقون بصفوف التنظيم تاركين وراءهم عيشاً جميلا تتوفر فيه كل أسابب التمسك بالحياة، ذلك أن الأمر فيه من الإثارة والذاتية ما يكفي لجعل قصص الشبان الشقر والشابات الشقراوات مادة دسمة مفضلة إخباريا.
لكن الأصح أن الخزان الرئيسي لهذا التنظيم هو من المسلمين المنحدرين من دول الإقليم ثم من مناطق بعيدة بعض الشيء جغرافيا. فبين عشرات آلاف المقاتلين في العراق وسوريا وحولهما، لا يمكن أن يشكل الغربيون والأجانب أغلبية ولو نسبية، ولذا فالسؤال لا يُطرَح أصلا عن جنسياتهم ومناطق قدوم غير الأوروبيين.
وعليه ستكون المسؤولية الأكبر والهامش الأهم في «التفكير» المطلوب على عاتق المسلمين الذين يتحملون مسؤولية عظمى. سيحتاج المسلمون فعلا إلى ثورة في حياتهم ودينهم ونمط تفكيرهم ورؤيتهم للأشياء. سيتطلب الأمر تلاقي جهود العلماء ورجال الدين والباحثين والمفكرين ورجال السياسة والحكم ومؤسسات التربية والتعليم والجامعات والمساجد، من كل الطوائف والمذاهب، لإقناع عامة الناس والمتفرجين والمحايدين والسلبيين بأن جرائم تنظيم الدولة، علاوة على وحشيتها ومخالفتها أسس كل الأديان والعقائد والقوانين، لا مبرر لها على الإطلاق، وأن البحث عن مبررات لها يشبه اقترافها. 
المسلمون بحاجة إلى ثورة تعيد تحريك الفكر، لأن الذي أنتج «داعش» بهذه الوحشية المنقطعة النظير، وقبله تنظيم القاعدة، هو شلل فكري في البداية وعجز معرفي امتزج بتخلف علمي واجتماعي وتكنولوجي. عليهم امتلاك شجاعة مناقشة الكثير من المفاهيم الدينية والقوالب الجاهزة والتفاسير المكرسة، فيبدأ الأمر من الأسرة ويمتد للمسجد والمدرسة والجامعة ومراكز البحث والتفكير (إن وُجدت) ليصل إلى إحداث ثغرة في الأذهان يتسلل منها هواء تقبُّل ما هو جديد عن القوالب الجاهزة والتفاسير المكرسة المقدسة. الأرضية جاهزة والمسببات كذلك، والظلام بلغ ذروته والضغط منتهاه، فهل المسلمون جاهزون لمثل هذه الثورة؟ 
لا يتوقف المطلوب من المسلمين عند هذا، بل مطلوب عمل لا يقل أهمية ووطأة يجب أن يكون موجها إلى غيرهم.. هذا «الغير» الذي يستسهل إصدار الأحكام أولاً وتعميمها ثانيا والانتقام على اساسها ثالثا. المؤسف ان جرائم يرتكبها مجانين (بعضهم غربيون) في شمال سوريا أو العراق تنعكس حقداً على عائلات مسالمة وديعة في أستراليا أو الولايات المتحدة، وعلى المسلمين أفراداً ومنظومات في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية.
الذي حدث الجمعة الماضية، وعلى الرغم من أنه ليس الأسوأ في العقدين الماضيين (باستثناء الوقع الإعلامي)، سيدفع ثمنه المسلمون 40 سنة أخرى مضايقات وتحرشا وتمييزا وسوء معاملة وغيره من الممارسات التي تختزنها المجتمعات الغربية. هذه المرة ستكون هذه الممارسات مشرعنة ومحمية بالقانون وسلطة المؤسسات.
وسط هذه الأجواء المثقلة بكل ما هو عدائي وسلبي، المسلمون هم الذين عليهم إقناع «الآخر» بأنهم ليسوا «داعش» وأن قدوتهم ليس أبا بكر البغدادي أو أيمن الظواهري. وهم الذين يقع على كاهلهم واجب إقناع «الآخر» بأن الإسلام ليس ما فهمه وطبّقه مَن يعيثون في الأرض فساداً في سوريا والعراق.
دولة مثل السعودية مُطالَبة بالكثير في هذا الصدد، داخليا وخارجيا لأنها صاحبة الوزن المعنوي الأهم، وأيضا لأن مؤسستها الدينية والكثير من أئمتها وعلمائها يتحملون نصيبا من المسؤولية في الوضع الذي بلغه المسلمون. 
الغرب كذلك بمجتمعاته ومؤسساته مطالَب بالخروج إلى دور أفضل وأكثر إيجابية. على صنّاع الرأي وقيادات المجتمع عمل الكثير لكي تتوقف المجتمعات أو قطاعات منها عن تحميل عائلات مسلمة في الغرب مسؤولية رقبة جزها معتوه في الرقة أو الموصل، أو تهديد مصور أرسله أحدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمن يعتبرهم كفارا أو أعداء الله.
الغرب أمام مسؤولية التصالح مع ذاته عبر غربلة المفاهيم واستيعاب أنه مع المسلمين في نفس القارب، وأنه مثلما لن يكون بمقدور «داعش» إعادة عقارب الساعة 14 قرنا إلى الوراء، لن يكون بمقدوره (الغرب) التخلص من المسلمين بين ظهرانيه، فقد أصبحوا امراً واقعا يجب قبوله ولا إمكانية لعودة عقارب الساعة إلى الوراء.
يا لها من مهمة مستحيلة والمسلمون طوائف وجماعات وعرقيات الواحدة منها أكثر تشدداً من الأخرى! مهمة لو بدأناها بعد ظهر اليوم قد تثمر القليل بعد خمسين سنة أو أكثر. على الأقل ستستفيد منها أجيال لم تُخلق بعد ليس من العدل ألاّ نورثها غير هذه الأطنان من الأحقاد والدماء والخراب.