
أستهدفت العملية الإرهابية، يوم الجمعة الماضية، بمدينة سوسة الساحلية التونسية، حياة المواطن التونسي عن طريق استهداف حياة السياح الاجانب. وصف رئيس الحكومة الحبيب الصيد العملية بأنها ضربة موجعة ومؤلمة وغير متوقعة. وأتفق معه المواطنون في انها ضربة موجعة لأنها تمس، أمنهم واستقرارهم ومصدر رزق نصف مليون شخص في إقتصاد كان على وشك النهوض من كبوته اثر عملية متحف باردو الإرهابية السابقة قبل بضعة أشهر. غير ان الكثيرين لا يتفقون معه في ان العملية غير متوقعة. اذ جاءت معظم التصريحات السياسية التي تلت الجريمة لتصفها بأنها متوقعة، بل وأن على الشعب التونسي ان يتوقع عمليات إرهابية أخرى. لماذا ؟ هل هناك فجوة بين الموقف الحكومي وموقف الاحزاب السياسية ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني فضلا عن المواطن نفسه؟
في جرد لمواقف الأحزاب السياسية الفاعلة وآراء الصحف الرئيسية، في اليومين التاليين للعملية، يتبين بأن هناك أختلافا كبيرا في تحليل ما جرى وايجاد الحلول لمكافحة الإرهاب، ووضع استراتيجية بعيدة المدى، لاستعادة ثقة المواطن بحكومته وان يقوم بواجبه كمواطن يدافع عن بلده، آخذين بنظر الاعتبار بأن الوضع التونسي، لايماثل الحال الفلسطيني والعراقي، باعتبارهما بلدين خاضعين للاحتلال وسياسته الإرهابية.
تؤكد معظم التحليلات، والحلول المطروحة رسميا، على ضرورة المزيد من دعم المؤسستين الأمنية والعسكرية، وتفعيل دور المخابرات، ف « الجيش وقوات الأمن يواجهون الإرهاب بمفردهم « حسب نداء تونس. وتحدث رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عن « مراجعة الرخص الممنوحة لبعض الاحزاب السياسية». شعارات الوحدة الوطنية والتعبئة الشاملة لمجابهة الإرهاب، احتلت مساحة واسعة في بيانات الاحزاب وتصريحات قادتها، وكان معظمها صدى لصوت الحكومة المتأرجح ما بين توقع الحدث وعدم توقعه، بالاضافة إلى الاتهام المبطن لأحزاب سياسية يختلفون معها، والمرور، جميعا، بشكل عابر على كيفية تحقيق الشعارات المطروحة، والتغاضي عن اسباب عدم تحقيقها حتى الآن. نددت حركة النهضة بالجريمة داعية إلى «الوحدة الوطنية واليقظة الدائمة» و»صياغة استراتيجية وطنية لمواجهة شاملة للإرهاب عبر مؤتمر وطني» و»تطبيق القانون بدون إستهداف أحد». واتفق معه حزب العمل الوطني الديمقراطي حول ضرورة التسريع بعقد المؤتمر الوطني لمناهضة الإرهاب. فهل سيكون المؤتمر الوطني هو العلاج السحري للقضاء على الأرهاب؟ وماهو موقف الشباب التونسي ومنظمات المجتمع المدني وتونس بلد عريق، نسبيا، بالمقارنة مع بقية الدول العربية، في هذا المجال؟
استمعت خلال اليومين الماضيين، إلى العديد من الشباب والناشطين في منظمات المجتمع المدني التونسي ذات العلاقة بالشباب. كانت رسالتهم واضحة. ان كل المنخرطين بالاعمال الإرهابية والمنضمين إلى داعش في سوريا والعراق بأسم «الجهاد»، من التونسيين، ولندع الآخرين جانبا، هم من الشباب. قضية الشباب، اذن، قضية وطنية أمنية، ويجب التعامل معها كأولوية لأنها لا تمس حياتهم أو موتهم، في حال القيام بعمليات إرهابية – انتحارية، كأفراد، فحسب بل تؤثر بشكل متشابك وعميق في حياة العائلة والمجتمع بكافة أبعاده.
لا اعتقد ان هذه الرسالة جديدة فقد سمعناها، سابقا، في العامين الأخيرين، ولكن بأصوات غطى عليها ضجيج الحلول العسكرية والسياسية فغاب العامل الاقتصادي والمجتمعي التربوي. تم تهميش الشباب الذين قدمتهم الثورة وجها منيرا لتطلعات المستقبل. البطالة تتحكم بمستقبلهم وفرص العمل بعيدة المنال بعد التخرج. الأحياء الفقيرة هي ذاتها قبل وبعد الثورة والعائلة التي سعت بكل طريقة ممكنة لكي ينهي ابنها دراسته الجامعية باتت شهادته عبئا عليه وعلى عائلته. أنّ تونس تشهد بالإحصائيات الموثّقة أعلى نسبة من حيث بطالة الشّباب وخاصة من ذوي الشهادات العليا الذين تجاوز عددهم 653 ألف خريج، وأن الضغط على سوق الشغل سيتواصل إلى سنة 2017 بإضافة 79 الف عاطل سنويا، حسب وزير التشغيل الذي أعلن يوم 22 حزيران الغاء منحة البطالة للشباب. ويشير العديد من الدراسات، من بينها دراسة للبنك الدولي، بأن الشباب التونسي يعاني من الاحباط والبطالة و حضوره في الحياة السياسة محدود. ليصبح الحل أما الهجرة السرية فينضم الشاب إلى «الحراقين» وهم فئة المخاطرين بحياتهم هربا في زوارق الموت أو الانضمام إلى منظمات تمنحهم فيزا «الجهاد» و»الاستشهاد».
هل نستخلص من هذا ان ما يقود الشباب إلى التطرف هو العامل الاقتصادي فقط أم أنه غسل الدماغ من قبل «القوى الظلامية» المعششة في الجوامع، أو انها دراسة الفقه والشريعة والإسلام السياسي، الذي يحمل في بنيته، كما يقال لنا، تطرفا دمويا؟ أو لعله الإرهاب عابر القارات وليس الذئاب المنفردة، كما يقول حزب النهضة؟
أولا ان معظم المنضمين إلى «داعش» سواء في داخل تونس أو سوريا والعراق هم من المتخصصين في مجال الهندسة والعلوم والفيزياء. آخرهم، سيف الدين رزوقي، منفذ عملية سوسة، مثلا، طالب الماجستير بالمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بالقيروان، ﺍﺧﺘﺼﺎﺹ ﻃﻴﺮﺍﻥ ﻭﺷﺒﻜﺎﺕ ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ. مما يجعل سياسة اغلاق عشرات الجوامع بحجة انها معامل لتفريخ الإرهاب، فعلا سيؤدي، بأحسن الاحوال، إلى استفزاز وتهميش وجبات جديدة من الشباب. ثانيا، ان مفهوم «الإرهاب عابر القارات» ملغوم بطبيعته، ونتيجته وقوع الدولة في مصيدة شبكة «محاربة الإرهاب» بقيادة أمريكا، التي نعرف جيدا، من سياستها في فلسطين والعراق وافغانستان، عن أي «إرهاب» تتحدث. واذا كانت بيانات وتصريحات الاحزاب والسياسيين قد ركزت كرد فعل فوري على تضامن الشعب التونسي، فإن الاصوات الداعية إلى التحليل والفهم العميق لم تكن غائبة.
يقول محمد جويلي، استاذ علم الاجتماع ومدير عام المرصد الوطني للشباب، في مقابلة اذاعية، في اليوم التالي لارتكاب الجريمة: «انه الشعور بالاحباط، بالاهانة، ما لا توفره الايديولوجيات التي كانت موجودة، تعطيه التنظيمات الإرهابية، انها تعطيه الاعتبار الكبير وتعطيه القيمة بانه مسؤول عن انقاذ الأمة. انها تعطي منتوجا رمزيا لشخص مهمش بالكاد يستطيع ان يتحرك في مجال صغير ثم فجأة تمنحه الإحساس بأنه منقذ الأمة الأسلامية». تحليلا كهذا يساعدنا على فهم العلاقة بين الشخص المهمش والتنظيم الذي يستقطبه محليا. مع غياب البعد التاريخي، على المستوى الخارجي، للعلاقة المتمثلة بالتضامن مع القضايا العادلة عربيا كانهاء الاحتلال الأمريكي للعراق، وان تم ذلك عبر آليات وحشية تماثل في همجيتها ممارسات المحتل مع فارق المسميات.
هنالك في تونس اليوم حوار جدي وغني. ومن أهم ما فيه بالنسبة لي كعراقية، أننا لم نسمع، حتى الآن، وعلى الرغم من مشاعر الغضب، من يستجدي القوات الأجنبية، على رأسها أمريكا، لاحتلال تونس وقصفها بحجة تحريرها من داعش أو غيرها، كما يفعل نظام الاحتلال العراقي. وهي نقطة تُحسب للشعب التونسي، على اختلاف مواقفه السياسية.