علينا أن ندركَ أنه حين يتحدث الجنرال عن إنسانيّته، فمن موقع النفي اللاّواعي يفعلُ ذلك، لأنه يعي حقيقة نفسه جيّداً. فهو يعلمُ أنَّ تصرفاته السيئة لاتؤهله لتلك المكانة، بالمعنى الأخلاقي الحداثي العالي لمدلولِ لفظة الإنسانيّة هُنا. لذلك يُبالغ، مُوهما نفسه، وظاناً أنَّ وهمه المريح ذاك باستطاعتِه أن يخدع الشّعب مرةً أخرى، بعد أن خدعة للمرّة الأولى بشعار " رئيس الفقراء " الكذّاب قبل سنوات من الآن.
هي كذبةٌ شعاراتيّة تافهة، لن تكون أكبر من حجمها. ويجبُ علينا أن نشكر اللّه على أنه لم يضف لتلك الإنسان وصف « الكامِل/أو الأعلى». بحيثُ يغدو في وجودِه مؤلّهاً مُنزّهاً. وليسَ من العدلِ هُنا إثرَ ذلك، أن نلحقه بالبهيميّة أو الحيوانيّة المحضة، ففي ذلك إضرارٌ بتلك البهيميّة، وانتقاصاً من قدرها الكبير. وحتى لو أننا طلبنا الإذن منها حول فعلِ ذلكَ، لكان الرّدُ مُفاجئاً وصادِماً، إذ أنها سترفضُ ذلك رفضاً قاطِعاً.
ختاماً، أقولُ أنني فهمتُ الآنَ، والآنَ فقط، السبب الحقيقي في كون أحد الأصدقاء كان يُعبر بشكلٍ دائم عن كرهه للفظةٍ كـ « الإنسان/الإنسانيّة»، وكُل المشتقات المصدريّة التي لها علاقةٌ بتلك اللّفظة. لقد كنتُ اعتقدُ غلطاً أنَّ صديقي هذا أصبحَ عدمياً مابعد حداثياً يقولُ ب«موت الإنسان». ولكنني، حين أبصرتُ حكاية الجنرال هذه، أيقنتُ في داخلي، بشكلٍ قاطع أعمى، أنَّ مثلَ مافيها من توظيفٍ تمييعيّ ساقط هو السبب الرئيس في كرهه ونفورِه المذكور أعلاه. وذلك لاشكَّ فيه، فموضوع التوظيف التمييعي البائس هذا قادرٌ على جعل ذلك يحصلُ مراتٍ عديدة.
نقلا عن صفحة الكاتب