فن تحطيم أجزاء الثانية عند أدهم صبري ونبيل فاروق

خميس, 2014-10-30 11:32
سيد محمد ولد أحمد

في ذكرى مكتبة "السلام" الواقعة قبالة "أكلينك"، وفي ذكرى صاحبها الخلوق "أحمد" رحمه الله، وفي ذكرى البطلين المُلهَمَيْن "أدهم صبري" و"نور الدين محمود"، أكتب هذه الخاطرة التي استعنت فيها بمقدمة عن الكاتب القصصي الموهوب الدكتور نبيل فاروق وجدتها على الإنترنت (بتصرف)،

أضفت إليها ما وافق وجهة نظري، وصببت جام غضبي على بعض المقدسات الروائية التي يعبدها الكثيرون ممن اعتذر لهم مسبقا عن شطحات لساني..
والمقال إهداء مني إلى كل رواد المكتبة السابقة من أهل ذلك الزمن الجميل..

كانت البداية بنا نحن جيل التسعينات المحب للمطالعة والمغامرات، خصوصا مطالعة القصص المصرية للجيب في ذلك الزمان، من منا لا يعرف في الثمانينات مكتبة "المنير" الواقعة شرق سوق العاصمة، وسلاسل الألغاز، والبطلين الصغيرين "تختخ" و"هدى"، لقد كنت – وصديق لي اسمه أحمد يعقوب، لا يمكنني نسيان اسمه رغم نسيان الكثيرين - نقطع المسافة بينها وبين السبخة ماشيين على الأقدام لشراء أعدادها، فمن يعيد تلك الأيام الخالية، أيام الصدق والبراءة والغفلة عن هموم الحياة المسودة للوجوه؟..
من منا لا يعرف سلستي "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" الشهيرتين، وكاتبهما المبدع الدكتور نبيل فاروق، الطبيب الذي تخلى عن مهنته (المربحة) ليتفرغ للكتابة (الأكثر ربحا!)، فهل الكتابة للمراهقين أكثر ربحية منها للمثقلين بالذنوب من ذوي الوجوه الكالحة التي يحمل أصحابها هم الحياة وذنوبها؟
ولد الدكتور نبيل فاروق في 9 فبراير 1956، ويعتبر أشهر روائي عربي في أدب الجاسوسية والخيال العلمي، له مجموعة ضخمة من القصص الموجهة أساسًا للشباب، يقرأ له الكثير من الشباب العرب، ويقدم عدة سلاسل قصصية من أشهرها ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل 2000.
ومنذ بداياتي مع قصصه، جذبتني سلسلة "ملف المستقبل" التي لا زلت مقتنعا بأنها أفضل ما قدم لما فيها من تشويق وعلمية خيالية مستغربة في كتاباتنا العربية، وإن كانت موجهة للشباب فأفكارها عجز عنها الكهول لما فيها من إبداع وتجديد.. وكم دخلت في نقاشات حادة مع بعض المقربين الذين يفضلون سلسلة رجل المستحيل، فأي السلسلتين أفضل يا ترى؟
لعل الأذواق تختلف، لكني أقول للذين لا يحبون الخيال، والخيال العلمي بالتحديد: "لم تستمتعوا كثيرا بما قرأتم فقد حرمتكم أنفسكم من عالم خيالي فسيح ممتع"، ومما يدعم رأيي في أفضلية الملف، أن أول ما كتب الدكتور نبيل فاروق قبل تخرجه من كلية الطب بعام واحد في عام 1979 وعن عمر ناهز 23 عامًا هو قصته الأولى "النبوءة"، والتي كانت الأولى في سلسلة كوكتيل 2000 التي ظهرت فيما بعد، وحصل بها على جائزة من قصر ثقافة طنطا، وهي قصة خيالية من النوع الغامض. فحصل بواسطة هذه القصة الخيالية الغامضة التي تثير اشمئزاز الأدبيين المتزمتين، على أول تقدير له، ثم لعبت الأقدار لعبتها فكانت بداية التحول الجذري في مجرى حياته وحياة أبطاله، وفي مسيرته الأدبية ككل، وذلك في عام 1984، عندما قرأ إعلاناً في مجلة (عالم الكتب) تطلب فيه المؤسسة العربية الحديثة كاتبي قصص للخيال العلمي، فأرسل لهم رواية (أشعة الموت)، وفاز بها من بين أكثر من 160 متسابقاً، فنشرت في العام التالي كأول رواية في سلسلة ملف المستقبل الشهيرة ولم يتجاوز عمره آنذاك الثلاثين عاماً.

كانت أولى قصص ملف المستقبل هي الباب الذي ولج منه الدكتور نبيل فاروق إلى مستقبله كقاص مبدع، وكاتب رابح ومربح، وكما هو معروف فإن السلسلة البكر تشبه الولد البكر، لابد أن يكون لها مكان خاص في القلب، ومما يظهر لي أن انشغاله في بدايات كتاباته كان بالخيال الغريب على وطنه وعلى الأمة العربية ككل، القصص العلمي الذي لا يتطلب تلك العبارات الأدبية المتكلفة السمجة التي يملأ بها الثقلاء رواياتهم الناجحة نخبويا، ولكن..
في تلك الفترة أيضاً، توطدت علاقة الدكتور نبيل فاروق بإدارة المخابرات المصرية، فكان الحدث الجذري الثاني في حياته، خصوصا عندما قابل السيد "أ.ص"، الشخصية الأسطورية في جهاز المخابرات المصري، والبطل الذي كان يبحث عنه، والذي استوحى واقتبس منه شخصية (أدهم صبري) في سلسلة رجل المستحيل، السلسلة التي سلبت كيان وقلوب الشباب والشابات، فحطمت الأرقام القياسية في المبيعات وعرفت نجاحاً منقطع النظير من الخليج إلى المحيط.

كانت البداية بالملف، لكن المستحيل حطم كل الأرقام القياسية. هكذا يقولون.. لكن يبقى السؤال: أي السلسلتين أقوى، بعيدا عن اعتبار المتلقي المراهق الفارغ الذي يتخيل نفسه "أدهم صبري" في كل ليلة يأوي فيها إلى فراشه الدافئ.
وإذا كان أدهم صبري يتسم بالقوة وسرعة تحطيم أجزاء الثانية، فإن الرائد نور الدين بطل الملف يتمتع بالرزانة والهدوء وعمق التفكير، وإذا كانت قصص أدهم عبارة عن معارك طاحنة تأخذ بخناق القارئ إلى ساحاتها الملتهبة، فإن قصص نور عبارة عن ألغاز ممتعة تشد التفكير، وعوالم ومخلوقات غريبة تنسي القارئ عالمه الكئيب..
وفي عام 1985، اقترن الدكتور نبيل فاروق بالدكتورة ميرفت راغب، وأنجب منها أطفاله الثلاثة: شريف، ريهام، ونورهان. وبعد النجاح الساحق الذي حققته سلسلتا رجل المستحيل وملف المستقبل، بالإضافة إلى السلاسل الأخرى فيما بعد، اعتزل الدكتور نبيل فاروق مهنة الطب ليتفرغ كلياً للكتابة كمهنته الرئيسية.

لقد عرف الدكتور نبيل فاروق، هو والدار التي استخدمه كيف يغزوان عقول وجيوب الشباب العربي المتعطش لقراءة ما يشده من مغامرات شبيهة بالأفلام الأمريكية التي بدأت تغزوه، بعيدا عن ترهات الأدباء الحياتية، الذين لا يستريح الواحد منهم فيها إلا بعد أن يصف في روايته الطويلة الثقيلة كيف يخلو الإنسان بنفسه في المرحاض أو بزوجه بعيدا عن الأعين، البذاءة بالنسبة لهم هي الأدب، سكتت الحياة عن أمور كثيرة وسترتها بستار الحشمة والستر، فجاءوا هم ليعروها بأقلامهم الخبيثة، ولم أقرأ لهم يوما رواية واحدة تجسد علاقة العبد بربه، وتنفع متلقيها، فنبيل فاروق أفضل منهم لأنه على الأقل لم يتعرض للدين والأخلاق في كتاباته بما يسوء، كما لم يحاول التأثير على عقول قرائه الصغار بأفكار ماسونية الهدف منها مسخ الأمة الإسلامية، وسلخ حيائها ودينها، يعتمدها معظم الأدباء المنحرفين الذين يهدفون إلى قلب نظام الكون القائم على توحيد الله وطاعته، وهم فجرة في أنفسهم، فمعظمهم بلا دين، شارب خمر أو زان، ركزوا جهودهم في نشر الفجور والخلاعة والإلحاد وحرية الرأي الغبية، وكان كل همهم: كيف يقلبون فكر المسلمين رأسا على عقب، ويشغلونهم بالغرائز والخمور والتحرر التافه، فكتبوا وعاشوا من أجل ذلك، والعياذ بالله..
وسيحاكمهم التاريخ، ويرمي بهم وبرواياتهم الثقيلة في مزابل النسيان. والدكتور نبيل فاروق أفضل منهم، فهو على الأقل ذكر قرائه بعبارات التوكل على الله، وشجعهم على معالي الأخلاق، وقص عليهم بهدف تسليتهم لا التأثير عليهم، وإن اعتبر البعض قصصه للمراهقين، إلا أنها في رأيي أنجح مما قرأت من روايات أدبية موجهة إلى الفجار والماجنين، وبعيدة مبعدة عن الصراط المستقيم..
لقد نجا الدكتور من ذلك المطب الكفري في رأيي، ونجح لأن قصصه المبتدعة تم توجيهها ببراءة إلى شباب متعطش للقراءة واكتشاف المجهول، ولعل المعلومات العلمية التي كان يذيلها بها تعد أكبر دليل على صدق نيته، لهذا أعتبره كاتبا ناجحا أكثر من غيره من المشوهين الذين كتبوا بحرص على الإفساد، وشح بالحق والصلاح، وشوهوا الأمة برواياتهم التافهة التي يا ويل من سار على خطاها الشيطانية ممن لا دين له من الشباب..
وسواء اعتبروا ما يكتب دون المستوى أو فوقه، فقد كتب بصدق وإخلاص لمهنته، وشغل بال الملايين من الشباب والكهول المتصابين، وكان من بين أوائل من كتبوا في الخيال والخيال العلمي، إن لم يكن أولهم،  بعكس تلك الروايات البغيضة المليئة بعفن السكر والتدخين، ووقاحة العهر والتشبه بالكفار، وإن كتبها من كتبها، فهو لا شيء، نكرة تلبس قبعة، إذ لم يكن له من دور إلا التأثير على العقول وشغل المسلمين بما لا ينفعهم حتى في الترفيه عن أنفسهم..
ولعل أقرب تمثيل للمقارنة بين ما تحبه النخبة الأدبية من كفر وعهر ومجون، وما يحبه السواد الأعظم من الشباب وغيرهم، هو المقارنة بين أفلام الجوائز الغير مربحة، وبين أفلام شباك التذاكر المربحة، فأفلام الجوائز الثقيلة لا يحتملها إلا مجنون يشبه الذي يقف 24 ساعة أمام لوحة غامضة ليستخرج منها ما يوحيه إليه الشيطان من مشاهد وخيالات قد لا تكون للوحة - الغير محددة المعالم أصلا - أي علاقة بها، وينسى تدبر كتاب ربه!
فتلك النوعية من الأفلام تقام لها المهرجانات، وتحتفي بها نخبة المعمرين المجانين، ومعظم ما يتقدم إليها من عالمنا العربي لابد أن يشتمل على العهر والكفر (الذي يسمونه تحررا، ودعوة إلى حرية الرأي) لكي يحصل على جوائزها الغير مباركة، وآخر تلك الأفلام فلمنا الموريتاني "تمبكتو" الذي لم أشاهده، لكني أجزم بأنه يحوي ما يُرضي القوم، خصوصا أن موضوعه الإسلام كالعادة فلا يطربهم اكثر من التعرض لهم من باب وجهة نظرهم الحاقدة، وقد احتفى به زنادقة السينما، وقد يفوز بالأوسكار تشجيعا لصاحبه، كما فازت رواية نجيب محفوظ "الحرافيش" التي جسد فيها رب العالمين - عياذا بالله! - بجائزة نوبل، والتي ما كان ليشم رائحتها لو لم يكتبها.
فهذه النوعية المشئومة من الأعمال المميزة عندهم، لا وقت لأمثالنا من محبي القصص لمشاهدتها، ولا لتحليلها، ولا للتأثر بها، فنحن نشاهد الفيلم لنستمتع بقصته وأحداثه أولا، أما أن يكون التركيز على إثارة اشمئزازنا بعكس كآبة الحياة وفجورها، فهذا يكفينا فيه ما تفعله الحياة الواقعية يوميا، فهي تستحق أعظم الجوائز في هذا المجال.
ولما تقدم فيلم "avatar" القوي جدا، إلى الأوسكار كأكثر الأفلام مشاهدة ودخلا، وكأقوى أفلام الخيال العلمي في عامه، أسقطته اللجنة المشرفة على الجائزة، رغم دفاعه عن المظلومين ضد الإحتلال الأمريكي الجشع الذي حاول استغلالهم، وقدمت عليه فيلما لزوجة مخرجه تدور قصته حول مآسي جنود أمريكا المحتلين للعراق، ربما دفاعا عنهم، أي على العكس من فكرة الفيلم الأول، فأي نفاق وتزييف هذا، وأي نخبة هذه التي تفعل مثل هذا؟
ونفس الشيء يقال عند مقارنة قصص الدكتور نبيل فاروق مع قصص غيره من متصيدي الشبهات والشهوات، الذين قد تناقش قصصهم عهر مومس في أكثر من 600 صفحة لتخرج بنتيجة مفادها أن مكان المرأة المسلمة هو الشارع! كأن الحياة لا تكفي في قص مثل هذه الروايات في كل يوم..
هذا هو الفرق بين قصص وأفلام الجوائز، وقصص وأفلام المتعة ذات الشعبية الكبيرة لدى العامة الذين هم أكثرية، فأفلام البوكس أوفيس، والحركة الصينة الممتعة، والأفلام الهندية، لا يحتاج أصحابها إلى كل تلك المطولات لينجزوا عملا ناجحا بمعاير جودة القصة، ونسبة المشاهدة، والدخل الأسبوعي المربح، ومعلوم أن فيلم الحركة والخيال يكلف أضعاف تكلفة فيلم الكآبة والفن المتفسخ، ولا مقارنة بينهما، ولو وُجدت لما استطاع فيلم تمبكتو الموريتاني المصور بإمكانيات تلفزيونية أن يتقدم إلى الأوسكار، في وقت لا يستطيع فيه فيلم ك"حراس المجرة" أن يتقدم إليها، وشتان ما بين إمكاناتهما، وقصصهما، وشهرتهما، ومداخيلهما..
وكذلك نجح نبيل فاروق لأنه عرف كيف يجذب إلى ما يكتبه ملايين المعجبين والقراء، وهم أكثر بأضعاف من قراء الروايات الثقيلة التي لا يصبر عليها الشباب، وهذا عن تجربة شخصية..

وهنا بالمناسبة أطلب من كل من يقرأ هذا المقال أن يدعو للمرحوم أحمد ولد مناه، صاحب مكتبة السلام، أشهر مكتبة عند شباب العاصمة في حينها، ذلك الكشك الصغير الذي كان مكان تجمع الباحثين عن الكتب بشتى أنواعها، كان يستقبل زبائنه بلثامه الأسود وحركاته الخجولة المرحبة، ويتساهل مع المفلسين منهم، وكان "فيسات" يمضون النهار كله مستظلين بغلاف رواية أو قصة في بيته الصغير المظلم، محتلين أرضيته الثمينة، وربما اختلسوا كتابا أو اثنين دون أن يحس بهم، وذلك لإكمالها، ولم أره يعترض على ذلك..
كان يرحمه الله نعم الرجل الخلوق، وكان يقدرني، ويتعامل معي بأحسن الطرق كما كنت أتعامل معه، ولطالما أوصاني بأن أجلب له بعض القصص من المغرب حيث كنت أدرس، فكنت أفعل بكل أريحية كلما تيسر لي ذلك..
كانت أياما جميلة لا تنسى، أسعد ما فيها تلك الجولة على الأقدام من منزلنا القريب إلى مكتبته، ثم العودة بخبزة ساخنة، وقصة أسخن لإنهاء المغامرة، وكان يستقبلنا بوجهه البشوش أحسن استقبال، فرحمه الله رحمة واسعة، وهذا حال الدنيا، الموت فيها هو المصير، فليستعد الموجودون منا لأول ليلة يمضونها في قبر مظلم لا يعرفون حتى أين يكون..
إن من حق أولئك الأموات علينا الدعاء، والصدقة عنهم، ويا ليتها كانت صدقات جارية كالمشاركة في بناء مسجد أو بيت علم أو مساعدة أسرة فقيرة، تنفعهم يوم القيامة وتسقط عنا حقهم.. يموت الأب والأم والجد والقريب والصديق، فيرمى في قبر النسيان، وهو في أمس الحاجة إلى أعمال محبيه الصالحة، بدء بالدعاء وحتى بذل الجهد والمال في سبيل ضمان ترجيح كفة حسناته يوم لا ينفع المرء إلا ما قدمت يداه، أو عمل صالح يقدمه له الأوفياء له..
ومن الأعمال الأخرى التي كتبها الدكتور نبيل فاروق نذكر رباعية "أرزاق" وهي ملحمة مصرية درامية مؤثرة في أربعة أجزاء كاملة، حققت نجاحاً منقطع النظير لدرجة دفعت بالمنتجين إلى تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني. كما كتب سلسلة الأعداد الخاصة، التي هي امتداد لسلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل وسلسلة كوكتيل 2000، والأخيرة هي السلسلة الأحب إلى قلبه لأنها وكما ذكر شخصياً تمنحه الحرية لكتابة ما يرغب من أفكار وخواطر وروايات بوليسية وعلمية واجتماعية وحتى مسرحية، وكل ذلك في كتاب واحد. كما كتب الدكتور نبيل فاروق سلاسل فارس الأندلس، سيف العدالة، مغامرات ع×2، وزووم، والأخيرة تعد من أصعب السلاسل التي كتب، وذلك للجهد الكبير في جمع مادتها وتصنيفها وصياغتها بأسلوب مبسط وجذاب.
كما شارك في سلسلة زهور فكتب عدة أعداد قبل أن يتوقف، كما أخرج 7 أعداد فقط من سلسلة بانوراما والتي توقفت بعد ذلك، كما ساهم أيضاً بالمشاركة في سلسلة روايات عالمية للجيب. وللدكتور نبيل فاروق أيضاً مشاركات مثيرة للإهتمام في أكثر من مجلة ودورية عربية، نذكر منها مجلة (الأسرة العصرية) ومجلة (الشباب) وملحق (صبيان وبنات) الذي يصدر مع صحيفة (أخبار اليوم)، ومجلة (باسم). وتتنوع هذه المشاركات ما بين الحلقات المسلسلة لخفايا عالم المخابرات وقصصه الحقيقية، وصولاً إلى المقالات العلمية بشتى مجالاتها، لكنها جميعاً تشترك في أسلوب الكاتب المشوق وصياغته المتقنة لها، والتي تجذب الكبير والصغير على حد السواء. وللدكتور أيضاً مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة التي يمكن الإطلاع عليها وشراؤها من موقع "مجانين"، وهو المجلة التي أنشأها شخصياً بالتعاون مع مجموعة من الشباب الموهوبين في الكتابة.

إنه كاتب موهوب سال قلمه بهذا الكم الهائل من القصص، وأمتع حتى الزهور، ومن من الزهور لم تقرأ في تلك المرحلة، سلسلة "زهور" العاطفية؟ شخصيا أعرف زهورا كثيرة أدمنت قراءتها..

لقد أجاب كاتب المقدمة على السؤال السابق: أي السلسلتين أفضل؟ بقوله: إن الدكتور نبيل فاروق يفضل "كوكتيل" على السلسلتين. لكن إن أردنا أن نكون واقعيين فإن السلسلتين أهم بكثير من كوكتيل، وهما حقا عقد كتاباته المضيء، ترافقت أعدادهما حتى آخر حبة، وكانتا كحصانين في مضمار سباق، ولعل سلسلة رجل المستحيل أشهر عند الشباب لسبب جوهري هو أن أغلبهم في ذلك العهد لم يكون يحب الخيال، وخصوصا العلمي منه، وكنت أعزو ذلك إلى جهله به، فمن لم يبدأ بأفلام أمريكا الخيالية في الثمانينات مثلا، من الصعب عليه أن يستسيغه، فكانوا يفضلون الواقعية التي هي أثقل شيء علينا نحن محبي الخيال، لكني أكاد أجزم اليوم بأن الخيال العلمي ينتصر على الواقعية في معاركهما المستمرة، لما فيه من غموض ومتاهات سحرية غير مألوفة تنسي الواحد عالم الكد الذي يحيا فيه، ولعلنا نلاحظ ذلك في السينما الأمريكية، فرغم ضعف الإمكانات في الخمسينات والستينات فقد اشتهرت أفلام خيالية، فلم يهمل القوم تلك الصناعة بحجة العجز كما نفعل نحن عند مواجهة كل صعوبة، بل طوروا أنفسهم تدريجيا حتى وصلوا إلى ما هم عليه اليوم من إبهار.
واليوم تعد أفلام الخيال العلمي، والخيال عموما، من أنجح الأفلام العالمية وأحبها إلى القلوب وهي التي تفرق بين الفيلم الذي له إمكانيات ضخمة والفيلم المتشبه بالمسرحية، وللأسف معظم أفلامنا نحن العرب لا زالت مسرحية لا تتطلب سوى نصا سيئا وممثلين عباقرة.
والقوم عندهم قاعدة ضخمة من الروايات الخيالية بعكس قاعدة العهر والسكر التي في أدبنا، ولعل الدكتور نبيل تأثر في بداياته بالأفلام الأمريكية، خصوصا أفلام الرعب والخيال العلمي، أو بقصصهم الكثيرة، وأرجح شخصيا تأثره بالأفلام الكثيرة في ذلك الزمن وفي هذا..

لقد دفعني شغفي بتلك النوعية من الأفلام والقصص إلى الرغبة في الكتابة الخيالية، فكتبت رواية شبابية في نهاية التسعينات تحت العنوان "الأقاليم السبعة"، تقوم فكرتها على سفر مجموعة من الأصدقاء عبر الزمن إلى عوالم غريبة، ليعيشوا فيها الفروسية وحياة الأبطال، ويتعرضوا لسخريتي اللاذعة، ولعلي تأثرت فيها بقصص لا يعدها أدباء الفحشاء والمنكر شيئا، كقصص فيروز شاه، وحمزة البهلوان، وعنترة.. وهي قصص خيالية طويلة، ضعيفة الحبك، لكن يكفينا أنها أمتعتنا كثيرا في وقتها..
ثم كتبت روايتي الثانية والثالثة، وهي جاهزة، ما أخرني عن نشرها إلا الخوف من توابع مثل هذه الكتابات، رغم حرصي الشديد على نفع المسلمين، فكتابة كتاب ديني نافع خير ألف مرة من كتابة مليار رواية ناجحة، لكن أين ذلك العلم المطلوب؟ من منكم يعيرني إياه؟ اللهم فقهنا جميعا في الدين..

اعتقد أن الكثيرين ممن قرؤوا للدكتور نبيل فاروق قادرون على الكتابة في هذا المجال الممتع، وعلينا جميعا أن نسهم في إثراء عالمنا العربي بما ينفعه أو على الأقل يسليه في أوقات فراغه، والمهم هو أن يقرأ لنا الآخرون كما قرؤوا للذين يعدون رؤوسا في فن الرواية، وهم إمعات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في رأيي على الأقل.. 

لقد اختصر أحد مشجعي سلسلة رجل المستحيل النقاش الذي جرى بيني وبينه أثناء كتابة هذا المقال، فقال لي: لا تتعب نفسك فالسلسلتين في درجة واحدة، وهما أهم ما كتب الدكتور..
وعلى كل حال أتوقع إن كنت من أنصار رجل المستحيل أن يكون رأسك صخرة مثله، فتذكر دائما أنه يوجد من يعتبر ملف المستقبل أفضل بكثير..
إنها مرحلة من حياتنا لا نملك إلا أن نفرح بتذكر أيامها، ونخلدها كتابة وذكرا، وهذا هو هدف هذا المقال، وكما قال المجنون:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ..  ولكن حب من سكن الديارا

وفي شهر أكتوبر من عام 1998، فاز الدكتور نبيل فاروق بالجائزة الأولى في مهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصته (جاسوس سيناء: أصغر جاسوس في العالم). ومؤخراً، قام قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة فرجينيا الأمريكية بإنشاء موقع خاص للدكتور نبيل فاروق والذي اعتبره المتخصصون أحد أفضل الكتاب في الشرق الأوسط.
يهوى الدكتور نبيل فاروق رياضة تنس الطاولة، كما يشاهد الكثير من الأفلام السينمائية العربية والأجنبية، مفضلاً أفلام الخيال العلمي الراقية، وتلك التي تحمل نظرة فلسفية خاصة أو نظرة اجتماعية صادقة. وفي كثير من الأحيان تقفز فكرة ما في رأسه، فيسارع إلى تدوينها فوراً على ورق أو بتسجيلها على جهاز تسجيل صغير في جيبه.
يمتاز الدكتور نبيل فاروق بالتواضع، وشخصيته الطيبة المحبوبة، مما أدى إلى اكتسابه العديد من الأصدقاء والعلاقات، سواء في إدارة المخابرات المصرية أو غيرها من المؤسسات الحكومية والطبية والعلمية والأدبية.
واليوم وعن عمر لم يتجاوز بعد الستون عاماً يعتبر الدكتور نبيل فاروق أفضل وأشهر كاتب للخيال العلمي والحركة في الوطن العربي على الإطلاق، وبات أسلوبه الشيق والمميز علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث. وبرغم مرور أكثر من 20 عاماً على صدور أولى رواياته، ونشوء جيل كامل على سلاسله، تبقى روايات وقصص الدكتور نبيل فاروق تحفة فنية رائعة تستمتع بقراءتها جميع الأجيال، وستظل كذلك مدى العمر بإذن الله.

واليوم عن عمر ناهز ما ناهز، دعونا نتذكر بجدية أكبر، أن أساس هذه الحياة هو الله سبحانه وتعالى، وأن الفائز الحقيقي بالتقدير فيها، والمستمتع الحقيقي بها، هو من دارت أعماله في فلك طاعته عز وجل، وجعله أساس كل حركاته وسكناته، وجعل كل أعماله مبذولة لنصرة دينه.. ذلك فقط هو العمل الذي يستحق التقدير والخلود..