رأي حر: الرجل الذي تحتاجه موريتانيا

سبت, 2015-07-11 12:56
باب ولد محمد

عرفته أيام التلمذة متميزا عن أقرانه لا في تحصيل الدروس فحسب ,بل في سلوكه .كان هادئا أكثر من اللازم بالنسبة لمن هو في سنه وصدوقا ,لطيفا حتى وهو يمزح مع أصدقائه .يحبهم ويبسط إليهم دوما يده بالمعروف ,كريما وله معتد في ذلك ,شغوفا بمطالعة الكتب وكلما سنحت له فرصة تراه يتلقف كتابا يطالع فيه .ما عثر قط في سنة من سنوات دراسته إلى أن أنهى تعليمه .

إلتحق بالوظيفة ,وكان ملتزما ,مثابرا ويعمل بجد وإخلاص .ومتقن يحب الإبداع والإبتكار والمبادرة لكنه فضل الإستقالة من عمله في القطاع العام في السنوات الأولى لأنه أراد أن يحصل على كفايته من الكسب بطريقة شريفة نظرا لما كان عليه من الإستقامة ,وسرعان ما أنشأ مكتبا للدراسات .فكان زملاؤه الذين تعرفوا عليه خلال عملهم معه ,يشتغلون معه في أوقات فراغهم من دوامهم الرسمي .

كان مديرا ناجحا ,ودودا يعرف كيف يسير العاملين معه .كان يوزع الإبتسامات وهو في طريقه إلى مكتبه كل يوم .كان يحبهم ويحبونه ولاغرابة في ذلك لأن من كان سمته كسمته

لا محالة سيحبه الناس .كان حريصا على أن يشاركه أصدقاؤه وزملاؤه مسراته ,كحرصه على مساعدة المحتاج منهم كلما سنحت له الفرصة .

في هذه اللحظات التي أستظهر فيها ذكرياتي مع هذا الإنسان النبيل ,يحدوني الأمل في أن بلاد شنقيط أنجبت خيرين مثله ويمكنها أن تنجب المزيد من الأبناء البررة القادرين على صنع الخيروالبذل والعطاء .هؤلاء الذين يحتاج إليهم الوطن في كل وقت أكثر من غيرهم من أبنائه الذين تعودوا أن يأخذوا وينهبوا منه دوما .ويتنكرون لجوده عليهم .من أين لهذا الوطن المجيد بأبناء كثيرين من أمثال هذا الشنقيطي النبيل ؟

ربما أكون إفتقدته كثيرا لأني ممن قدر الله عليهم أن يهتموا لأمر هذا الوطن يقلبون فيه التفكير آناء الليل والنهار ,لاسيما أننا أصبحنا نعيش في وطننا اليوم في ظل ما يمكن أن يكون أزمة في منظومتنا القيمية  بتنا نخشى معها من أن تتشكل مفاهيم ومسلكيات مناقضة لهذه القيم التي أصبحنا في حاجة ماسة إلى إحيائها فينا أكثر من أي وقت مضى ,لأننا ما نشهده اليوم من السعي المحموم في الكسب المادي بشتى الطرق ولوكانت تنافي دين الإسلام والأخلاق وتضر بالمصلحة العامة هو نتيجة حتمية لتراجع المنظومة القيمية ,ولم يقتصر ضرر هذا التراجع على الجانب المادي فحسب بل تجاوزه إلى تنامي الأنانية والفئوية والمحسوبية وغير ذلك من الأمراض الإجتماعية التي أصبحت تنذر بالخطر .

إن كل الوسائل المادية يمكن صنعها أوإقتناؤها أوجلبها ,وبالإمكان إصلاح تلفها أوجبره .لكن هذا ما يستحيل مع الإنسان الذي يعتبرالغاية والوسيلة في أي عملية تنموية في أي بلد مهما كان كبيرا أوصغيرا مع العلم أن المعتبرفي قوة الدول والمجتمعات هوقوة تأثيرحضارتها وتمسكها بقيمها وقوة وحدتها وقدرتها على الإنتاج في المستويين المادي والمعنوي ووضوح  رؤيتها في المصيرالمشترك .

لذا أعتقد أن ما نحتاجه اليوم من أجل التصدي للتحديات الخارجية والداخلية هو الإنسان الموريتاني الصالح لتحقيق الاهداف التي نصبو إليها مما يترتب عليه صياغة هذا الإنسان اأو المواطن الذي نريد على أساس ربطه بماضيه دون إغفال البعد التجديدي في تكوينه

للأخذ بالأسباب التي تمكن من تحقيق تطلعات العصر .

إذن فبدون إعتبارصياغة المواطن الذي نريد ستظل كل الجهود المبذولة من أجل تحقيق أوتقوية الوحدة الوطنية والقضاء على الفقر والأمية وتحقيق العدالة الإجتماعية ...غيركافية لتجاوزتحدي نذرالتمزق والإنقسام وتحدي عالم متقلب ومضطرب تكاد أن تتقلص فيه الحدود .

وريثما تتضح لنا الرؤية ,فتحية إلى كل  شنقيطي فاضل .