ظل كثير من المحللين والمراقبين يتساءلون منذ تولي الملك سلمان: “هل تخلى النظام الجديد في السعودية عن السيسي في مصر؟“، بعدما ظهرت مؤشرات التباعد في المواقف والسياسات بين النظامين، وانطلقت سهام الحرب الإعلامية بين إعلام البلدين، حتى جاء حوار “حسنين هيكل” الكاتب المقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وناصحه الأول، مع صحيفة السفير اللبنانية ليضع الكثير من النقاط على الحروف.
الرد على هذا السؤال الدائر والحائر منذ تولي الملك سلمان الحكم لم يأت على لسان هيكل فقط، ولكن سبقته مؤشرات عديدة وقرارات وتوجهات سياسية ترجح أن سلمان فض يده من السيسي، وأن الحرب الكلامية التي انتعشت خلال أشهر الخلافات السابقة تخفي وراءها حربًا سياسية وتوجهات لمصر أغضبت السعودية، وأخرى للرياض أغضبت القاهرة.
فلم يكن الحوار الذي جرى مع محمد حسنين هيكل الذي يطلق عليه البعض لقب (عراب الانقلاب العسكري)، والذي قال فيه إن “النظام السعودي غير قابل للبقاء“، في إشارة واضحة لتوقعه انتهاء حكم الملك سلمان، ونقده له؛ هو أول هذه المؤشرات، وإنما سبقها مؤشرات أخرى عديدة منها:
ما ذكره الكاتب عبد الرحيم علي المقرب من المؤسسة العسكرية نقلًا عما قال إنه مصادر سيادية، أن: «سلمان» يحشد «الإخوان» في مواجهة إيران، وأن القاهرة تعتبر تحركات السعودية خطرًا على الأمن العربي، والذي اعتبره الكاتب جمال خاشقجي “عك” بعلم الجهات السيادية المصرية.
قول الكاتب القبطي مايكل منير المقرب من السلطة إن “استقبال العاهل السعودي لخالد مشعل تحدٍ للثورة المصرية“، دون أن يحدد أي ثورة يقصد، ويبدو أنه يقصد ثورة السيسي التي يؤرخ لها بتاريخ 30 يونيو والتي أعقبها الانقلاب العسكري في 3 يوليو ضد الرئيس محمد مرسي.
نشر جريدة “المصري اليوم” الخاصة المؤيدة للسلطة تقريرًا الثلاثاء 21 يوليو الجاري بعنوان: “السعودية ترد على «الاتفاق النووي» بتحالف سُني يضم حماس والإخوان“، أشارت فيه إلى أن “خلاف القاهرة والرياض المكتوم قد يظهر للنور مع تحركات السعودية الجديدة“، وقالت: “إن المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز أصبحت في مأزق كبير بعد توقيع إيران الاتفاق النووي“.
قبل هذا سمحت السلطات بمظاهرة يسارية أمام السفارة السعودية قامت بتوجيه السباب وعبارات غير لائقة للملك سلمان ووصفه بـ “الجبان”، كما سمحت لعشرات الصحف والفضائيات بمهاجمة السعودية والملك سلمان؛ ما جعل سعوديين يستغربون هذا الهجوم ويؤكدون أنه بعلم السلطة؛ لأن الإعلام المصري غير مستقل وتابع للدولة سواء الحكومي والخاص.
استقبلت القاهرة مبعوثين حوثيين وسمحت لمنظمات شيعية بجمع تبرعات في القاهرة لصالح من قيل إنهم ضحايا العدوان السعودي على اليمن، كما ظهرت تصريحات رسمية تمتدح إيران وتتحدث عن علاقات ايجابية معها، وهو ما فهم على أنه رسائل مصرية للسعودية.
مغزى تصريحات هيكل
كان إغداق الكاتب الصحافي المصري المعروف محمد حسنين هيكل سيلًا من المدائح على كل من إيران وحزب الله، وهجومه في الوقت نفسه على السعودية التي قال إنه يتوقع انهيارها، والملك سلمان شخصيًا، وتأكيده أن: “النظام السعودي غير قابل للبقاء“، أشبه بتدشين رسمي مصري للحرب مع السعودية في ضوء ما يثار في الخفاء عن خلافات ورفض السعودية تقديم مزيد من الدعم لمصر.
فالنقد لم يتناول السعودية وحدها ولكنه انتقد الملك سلمان بن عبد العزيز شخصيًا، قائلًا إنه “ليس حاضرًا بما يكفي” في إشارة للتقارير الأمريكية العديدة التي نشرت قبل توليه وزعمت أنه مصاب بـ “الخرف” بفعل مرض الزهايمر؛ بل وهاجم هيكل السعودية ودول الخليج، واصفًا إياها بأنها “دول متخلفة”، كما هاجم ضمنًا ولي ولي العهد محمد بن سلمان حينما قال إن “جيل الصغار متكبرون، ويأخذهم غرور القوة“، وشدد على أن “الجيش في السعودية يتحكم به أمراء الأسرة“.
وخطورة التصريحات أنها صادره من أحد أهم الصحافيين والكتاب المقربين من الرئاسة في مصر، منذ عهد المخلوع محمد حسني مبارك، وحتى وصول السيسي إلى الحكم، حتى إن بعض السياسيين والمراقبين يرجحون أن يكون هيكل هو الذي كتب نص الخطاب الذي ألقاه السيسي يوم الثالث من تموز/ يوليو 2013 وانقلب بموجبه على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وأحد المنظرين للدولة العميقة في مصر.
ولأنه ليس شخصًا عاديًا، فعادة ما يتعامل المراقبون والسياسيون في مصر والعالم العربي مع تصريحات هيكل على أنها تمثل الموقف الرسمي المصري؛ حيث إن الرجل مقرب من دوائر صنع القرار في مصر على الدوام.
في مقابلته مع جريدة “السفير” هاجم هيكل بعنف غير معتاد السعودية، وقال إن “السعودية، التي تهيمن على الخليج، قوة ترهلت قبل أن تبلغ الشباب، والنظام السعودي غير قابل للبقاء، وانعدام البدائل هو ما يبقي السعودية“، مضيفًا: “السعوديون سيغرقون في مستنقع اليمن“.
وحاول هيكل تصوير إيران على أنها “صاحبة الصمود” الأسطوري الذي مكنها من التوصل إلى الاتفاق النووي مع القوى الغربية بما فيها الولايات المتحدة، وتابع: “السعودية ودول الخليج أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي“، في إشارة إلى عدم قدرة دول الخليج على التصدي للاتفاق.
تقارب مصري إيراني
الأهم، بخلاف دفاع هيكل عن جرائم الأسد في سوريا ودعم حزب الله له في ذلك، هو كشفه في المقابلة أن “مصر تسعى إلى التقارب مع إيران“، على عكس ما تتوقعه الرياض من القاهرة، وأشار إلى وجود “محاولات من أجل ثني السيسي عن التقارب مع طهران“، على حد تعبيره، دون أن يكشف عن الجهات التي تضغط على السيسي لعدم الانفتاح على إيران، وهل هي السعودية أم جهات داخل مصر لعدم إغضاب الرياض كليًا.
غضب سعودي وخليجي
وقد سيطرت حالة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية ودول الخليج، بعد حوار هيكل مع جريدة السفير اللبنانية، ودشن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، هاشتاقًا تحت اسم “#هيكل_يهاجم_السعودية“، وآخر تحت اسم “#هيكل”، هاجموا فيه الكاتب بعنف وركزوا على اتهامه بأنه رجل الأنظمة الفاشلة وهجومه جاء بعد “توقف الرز”، في إشارة إلى أموال الدعم الخليجي لنظام السيسي، متهمين إياه بتلميع “إيران” على حساب النظام السعودي.
وعن رد فعل النشطاء على تويتر، لفت خالد الشريف النظر إلى تزامن هذا الهجوم مع الأحداث الأخيرة:
ناشط آخر، ينفي أن يكون هذا الهجوم وهذا التحامل أمرًا عاديًا:
د.باسم خفاجي، شبّه هيكل باللاعب المصرّ على عدم الاعتزال إلى أن يتم طرده:
ياسر الزعاترة، أكد بأن علاقات هيكل بالنظام الإيراني راسخة منذ الخميني:
مشعل الخالدي، تعجب من كون دعاة القومية هم أكثر الساخطين على توحد العرب:
أما إياد أبو شقرا، فشعر بالأسف على كل من لا يعلم متى ينبغي عليه التقاعد حفاظًا على ماء وجهه:
خالد القويز، نعته بالكذب والمبالغة؛ بسبب تصريحاته عن إيران وأن حزب الله يدافع عن نفسه:
أما صالح الجمعة، فتساءل كيف يثني هيكل على دولة دينية كإيران، وفي نفس الوقت ينتقد الأحزاب القائمة على أسس دينية كالإخوان والسلفيين؟!:
أسماء، لمحت إلى عدم حيادية هيكل الذي يهاجم دول الخليج ويلمع صورة إيران:
الشيخ حفتر، نشر مقطع فيديو لهيكل وهو يمدح الملك سلمان منذ فترة، وعلق: واليوم يهاجم السعودية؟:
أدهم أبو سلمية، ذكر بكون هيكل الرجل المقرب للسيسي، فهل يحمل هجومه رسالة مبطنة؟:
فجر السعيد، أكدت أن هذا الهجوم معناه موت هيكل إكلينيكيًا:
أنور مالك، لم يندهش من موقف هيكل؛ فليس هناك من عار أكبر من مساندة نظام الأسد كما فعل من قبل:
د.أحمد موفق زيدان، يرى هيكل جزءًا لا يتجزأ من النظام الاستبدادي العربي:
أما سلمان الدوسري رئيس تحرير الشرق الأوسط، فقارن بين ما يكتبه هيكل اليوم وما تعود على قراءته له منذ الصغر، مجرد حديث مكرر لم يتغير فيه شيء:
أحمد حسن الشرقاوي، طرح سؤالًا هامًا، فبعد مدحه للإمارات وهجومه للسعودية، هل أصبح هيكل المتحدث الرسمي لمحمد بن زايد؟:
الإعلامي عبد العزيز قاسم، تساءل: ما موقف الناصريين السعوديين من هيكل الآن؟:
ويضيف:
عبد الخالق عبد الله، يعتقد بأن هيكل لا يستطيع استيعاب قوة تأثير الخليج اليوم في المنطقة:
أما خالد المالكي، فعددّ جميع من يهاجمون السعودية، من هيكل إلى جنرالات إيران:
عمرو عبد الهادي، سأل: هل كشف هيكل بحواره عن رغبة السيسي في التعاون مع إيران؟:
هجوم إماراتي
بعد أسبوعين من هجوم الكاتب المصري فهمي هويدي على السعودية في مقال بعنوان المصير العربى في مفترق الطرق، والذي لمح فيه إلى وجود علاقات بين السعودية وإسرائيل في نفس الوقت الذي تتعامل فيه مع إيران كعدو أول، متنقلًا إلى حرب اليمن، وجدوى عاصفة الحزم، الأمر الذي أثار غضب العديد من النشطاء السعوديين حول الأمر؛ لم يلبث أن يهدأ، حتى أشعلته من جديد تصريحات نائب رئيس الشرطة الإماراتية ضاحي خلفان.
ففي تغريداته الأخيرة على شبكة تويتر، هاجم خلفان سياسة العاهل السعودي الملك سلمان، بسبب مواقفه الإيجابية تجاه الإخوان المسلمين.
وقال خلفان عبر حسابه الشخصي على تويتر:
ثم يستغرب خلفان ممن يريد الاستقرار وفي نفس الوقت يحتضن الإخوان، ملمحًا إلى السعودية بعد استضافتها الشيخ الزنداني، وقطر التي يعيش بها الشيخ القرضاوي:
وعاد لحديثه بطريقة أكثر حدة:
وتأتي تغريدات خلفان بعد أيام من استضافة الملك سلمان، لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، تلاها استضافة رسمية لرئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبد المجيد الزنداني، المحسوب على الإخوان أيضًا، والذي خصه خلفان بالعديد من التغريدات الهجومية:
“خلفان”، سرعان ما نفى بأنه يقصد الملك سلمان بهجومه، بعد استياء كثير من النشطاء الخليجيين:
وذكر أن موقفه المدافع عن السعودية وملكها وأمرائها، باق ودائم وثابت:
وكانت علامات الاستفهام قد بدأت في التزايد حول الوضع بين مصر والسعودية والإمارات وقطر وتركيا، حيث كتب عبد الرحيم علي رئيس تحرير البوابة نيوز، تقريرًا مطولًا حول استنتاجاته ببدء مصر والإمارات في تشكيل تحالف لمواجهة تقارب السعودية مع جماعة الإخوان المسلمين، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، خاصة بعد زيارة مشعل الأخيرة للرياض.
كما لمح إلى أن القاهرة ومعها أبو ظبي أبديتا للسعودية رفضهما لتقارب الرياض مع حماس وبالطبع الإخوان عامة سواءً في مصر أو غيرها.
وكشفت الصحيفة أيضًا، عن وجود خلافات واسعة أيضًا بين مصر والسعودية حول الملف السوري واليمني والعراقي والإيراني، وبما يؤشر إلى تباعد الطرفين كثيرًا خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى ما تردد عن إرسال الإمارات تهنئتها إلى إيران بعد عقدها الإتفاق النووي الأخير، بالإضافة إلى ما ذكره هيكل في حواره حول سعي مصر إلى التقارب مع إيران.
فهل يجيب هذا كله عن التساؤلات الكثيرة المتعجبة، حول الهجوم المكثف الذي تتعرض له السعودية هذه الأيام؟