هل في الشرق الأوسط متسع لجميع مكوناته؟

أربعاء, 2015-07-22 18:14
عماد شقور

بتوقيع إيران والدول الخمس الكبرى زائدا المانيا، الاتفاقية الخاصة بمشروعها النووي وما ترتب عليه من عقوبات، تكون إيران قد ضمنت لنفسها مكانة متقدمة على جميع مكونات الشرق الاوسط الاخرى.
هذه الحقيقة الموضوعية تجعل السؤال الأهم في هذه المرحلة هو: ماذا ستصنع إيران بهذا المكسب الكبير الذي أحرزته؟
امام إيران بالطبع، وفي ظل احساسها بالارتياح لما تم لها تحقيقه حتى الآن، اغراء كبير لان تستمر في اعتماد سياستها، غير الحكيمة، على صعيد تعاملها مع دول الجوار ومكونات الشرق الاوسط الاخرى. تلك السياسة المتمثلة بتصدير الثورة، بما يعنيه ذلك من مواصلة التدخل الفج والدموي في دول المنطقة. إن الإنجاز الإيراني، رغم اهميته البالغة، لا يشكل بذاته ضمانة لمستقبل إيراني مستقر ومزدهر، لان ما يضمن المستقبل هو اعتماد سياسة التعاون والتعايش والتكامل مع دول الجوار، وليس أي سياسة اخرى على الاطلاق. 
وهناك من الحقائق على مدى أكثر من ألف عام من تاريخ هذه المنطقة، ما يثبت أن جميع محاولات اي واحد من مكوناتها، الهيمنة والسيطرة على اي من المكونات الاخرى، قد بدأت وتواصلت وانتهت ايضا، إلى أنهار من الدماء والدموع. بدون أن ننسى توزع هذه المآسي، وبالتساوي تقريبا، على طرفي الصراع في هذه المحاولات: المنتصر والمهزوم، المسيطِر والمسيطَر عليه، وبدون أن تعطي المنتصر ثمارا حقيقية تبرر ما تكبده شعبه من خسارات، وما تركته في نفوس ضحاياه من ألم وحقد وتربص للانتقام في مستقبل الايام. هذه القناعة تجعلنا على ثقة بانه آن الأوان للبحث بجدية في الجذور التي غذت وتغذي الصراعات المتفجرة والدموية، بين مكونات الشرق الاوسط، وداخل كل واحد من هذه المكونات، وما تحمله هذه الصراعات، من مخاطر مدمرة لجميع هذه الكيانات، بدون استثناء، خاصة في ظل تطور القدرات الهائلة لوسائل القتل والتدمير.
إن في شرقنا المتوسط اربعة مكونات اصيلة، هم العرب بدولهم، وايران وتركيا والشعب الكردي، ( الممزق بين إيران وتركيا وسوريا والعراق )، ومكون مفروض قيد التشكل هو اسرائيل. بين كل واحد من هذه المكونات من جهة، وبقية المكونات، صراعات موغلة في القدم، تندمل ثم لا تلبث أن تثور منطلقة من مشاعر واحاسيس، تستند إلى روايات من تاريخ بعضه حقيقي وغالبيته مزور ومدسوس. ينتج كميات هائلة من الدمار والقتل، من كلا الضحيتين في صراعات تعود بكل واحد من هذه المكونات إلى حيث كان قبل اندفاع انهار الدم.
آن لنا أن نعترف بتجذر مشاعر ألم وحقد عربي شامل، جراء خمسة قرون من الرضوخ تحت نير حكم عثماني/تركي، ما زالت آثاره ملموسة فينا. ففي هذه القرون التي بدأت اوروبا خلالها الخروج من قرون الظلام إلى عصر النهضة والتنوير، اخذ العرب، في ظل الهيمنة التركية/ العثمانية يرتدون من عصر النور والعلم إلى ظلمات الجهل والتخلف. آن لنا أن نعترف بتجذر مشاعر ألم وحقد فارسي/ ايراني، تجاه العرب الذين اخضعوا امبراطورية فارسية عريقة، وفرضوا عليها دينهم ولغتهم وحروفهم. وفي هذا السياق، لا يضيرنا أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، مهيار الديلمي الفارسي المسلم، الذي يفاخر بأصله ونسبه الفارسي، وباعتناقه الاسلام، الذي يعتبره «دين العرب». والطريف أن محمد عبد الوهاب، أكبر وأهم الموسيقيين العرب، غنى كلمات قصيدته، التي منها:
قومي استولوا على الدهر فتىً ومشوا فوق رؤوس الحقب
وابي كسرى على ايوانه اين في الدنيا اب مثل ابي؟
قد قبست المجد من خير ابٍ وقبست الدين من خير نبي
وضممت الفخر من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب.
آن لنا أن نعترف بأن ما تعرض ويتعرض له ابناء الشعب الكردي، من قبل العرب والفرس والترك، خلّف لديهم مشاعر بالغبن والظلم بما لا يطاق حمله، ولا ضرر اكثر يطال الجميع، من ضرر التنكر لمسؤولية هذه الاطراف عن دوافع وأسباب هذه المشاعر الكردية. آن لنا أن نعترف أن يهود اوروبا هم ضحايا ممارسات وسياسات اوروبية، وان الفلسطينيين بشكل خاص، والعرب بشكل عام، هم ضحايا ضحايا اوروبا بغربها وشرقها المسيحيين، وانه لن يتبخر من «ارض اسرائيل» ستة ملايين يهودي، ولن يتبخر من «ارض فلسطين» ستة ملايين فلسطيني. 
لا مفر من، ولا بديل عن قرارات جريئة ومؤلمة، تضع حكايا التاريخ حيث يجب أن تكـــون، ولا تتحكـــم، رغـــم ما فيها من حقائق ثابتة، وما فيها من تزوير وتشويه أيضا، في رسم مستقبل مكونات هذا الشرق الاوسط الجريح.
ولعل الصعوبة الفائقة في التوافق على مثل هذه الخطوة البالغة الصعوبة، تستدعي تشكيل هيئة تتمثل فيها كل مكونات الشرق الاوسط، بدون اي استثناء، تعمل على رسم سياسات، ووضع برامج لخطط عمل وتحرك تشمل جميع هذه المكونات، لا تتنكر لاحداث التاريخ الحقيقية، ولكنها تتعاطى معها بتفهم وتسامح، مركزة على المستقبل المشترك لجميع شعوب المنطقة.