في مقال يوم 30 يوليو في صحيفة جلوبال تايمز، وهي صحيفة صينية قومية، يحذر المحلل من أنّ وفاة الملا محمد عمر ستكون ضربة قوية لحركة طالبان. لكنّ الصين قد تكون خاسرًا آخر؛ لأنّ الملا عمر أبرم اتفاقات هامة مع بكين في الماضي، وكان يُنظر إليه باعتباره أفضل فرصة للالتزام بأي اتفاق سلام في المستقبل بين طالبان والحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من شكوك الصين حول حركة طالبان؛ إلّا أنّ الملا عمر كان رجلًا يمكنه التعامل معها، وأحد القادة السياسيين والروحيين الرائدين في عالم المجاهدين الذي كان على استعداد لاحتواء المخاوف الصينية من أجل الاستقرار في المنطقة الصينية المضطربة ذات الأغلبية المسلمة بشمال غرب شينجيانغ.
ستكون أولى مخاوف بكين هي عملية السلام الأفغانية. على مدى السنوات القليلة الماضية، لم يكن هناك بلد داعم أكثر نشاطًا وحماسًا لمحادثات المصالحة بين طالبان والحكومة الأفغانية أكثر من الصين. وذلك لأنّ المسؤولين الصينيين يرون التسوية السياسية في أفغانستان على أنها الوسيلة الوحيدة لمنع البلاد من أن تصبح ملاذًا آمنًا للمتشددين من اليوغور وقوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة بأسرها. لقد استمرت التوترات داخل الدولة الصينية بين قبائل الهان ومسلمي اليوغور في شينجيانغ في النمو في السنوات الأخيرة، وسعت جماعات المعارضة المسلحة إلى البحث عن ملجأ لها في أفغانستان والمناطق القبلية الباكستانية. هذه التوترات، إلى جانب تفاقم سلسلة من الهجمات الإرهابية المنبثقة عن شينجيانغ وبدء تنفيذ خطط الصين الطموحة بإنشاء طريق الحرير للاستثمار في وسط وجنوب آسيا؛ زادت من ضرورة استقرار أفغانستان. ويرجع وجود عملية سلام جزئيًا إلى الضغوط والحوافز الصينية، ولاسيما في تشجيع باكستان لرعاية المحادثات بدلًا من تقويضها.
الخطر المباشر من موت الملا عمر، والذي ربما حدث في مستشفى كراتشي منذ ما يقرب من عامين، هو أنّ تلك العملية الوليدة ستخرج عن مسارها. كان من المقرر عقد الجولة الثانية من الاجتماعات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بنهاية يوليو الماضي، والآن تم تأجيلها. ولكن حتى لو تم استئناف المحادثات، سيكون من الصعب على خلفاء الملا عمر ضمان عقد أي اتفاقات، سواء وقف إطلاق النار على المدى القصير أو التوصل إلى اتفاق شامل. هناك فصائل أخرى داخل طالبان تعارض بقوة تلك المحادثات، وتخاطر بكين بكونها في موقف دعم محادثات السلام -التي وضعتها في مركز سياستها المتعلقة بأفغانستان- مع جناح من حركة طالبان، وليس مع الممثلين الذين يمكن أن يحملوا الحركة الأوسع معهم.
هل يمكن لقيادة أقل تماسكًا وقوة لحركة طالبان أن تلتزم بالاتفاقيات التي توصل إليها الملا عمر مع بكين، وخاصة فيما يتعلق بمنطقة شينجيانغ؟ عند التعامل مع طالبان، دائمًا ما تتأكد الصين من أن الضمانات تأتي من القيادة. أثناء حكم طالبان لأفغانستان في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، عندما كانت تسعى بكين لإغلاق معسكرات تدريب متطرفي اليوغور في كابول وحولها، قدّم العديد من المحاورين بحركة طالبان تلك الضمانات. لكن بكين تعتبر أنّ المسألة انتهت في نوفمبر عام 2000، عندما أصبح السفير الصيني في باكستان أول ممثل كبير لبلد غير مسلم يقابل الملا عمر. في ذلك الوقت، وعد الملا عمر أنه لن يطرد الجماعات المسلحة من اليوغور، لكنّ حركة طالبان لم تسمح لهم بالعمل بشكل مستقل أو شنّ هجمات ضد الصين من الأراضي الأفغانية. وفي أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان في أواخر عام 2001، واصلت بكين الحصول على ضمانات ذات طبيعة مماثلة من مجلس “شورى كويتا”، وهو مجلس قيادة طالبان في المنفى.
الصين تريد ضمانًا بأن أصولها الاقتصادية لن يتم مهاجمتها وأنه إذا انضمت طالبان إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة في المستقبل داخل أفغانستان، ستظل الحركة حساسة تجاه المخاوف الصينية. (الاستثمارات الصينية الكبيرة، مثل منجم النحاس مس أيناك في إقليم لوجار، لم يتم تنفيذها بسبب المخاوف بشأن الوضع الأمني).
كما تشك بكين دائمًا حول كيفية التزام الأعضاء العاديين بحركة طالبان بأي من هذه الاتفاقيات، وهو سبب عدم دعمها لعودة طالبان الكاملة إلى السلطة في كابول. ولكن على الأقل مع الملا عمر، كانت تعوّل على كلمته التي لها وزن حقيقي وفعّال. وفي حالة عدم وجود قائد لهذه السلطة الموحدة؛ فإنّ طالبان المنقسمة ستكون أقل قدرة على احترام شروط هذه الاتفاقيات. وإذا تمزقت الحركة؛ فإنّ كل هذه الرهانات ستصبح رهانات خاسرة.
وعلى نطاق أوسع، تواجه بكين عالمًا جهاديًا أصبح معاديًا على نحو متزايد لمصالحها، ويصعب التفاوض معه. في ثمانينيات القرن المنصرم، عندما كانت الشخصيات البارزة تستقر في أفغانستان وباكستان وتتلقى الرعاية الفعّالة أو القبول الضمني من الأجهزة الأمنية الباكستانية؛ حظيت بكين بالكثير من الامتيازات. وبالنظر إلى أن هناك أهدافًا أكثر أهمية، وكانت قضية إقامة وطن مستقل لمسلمي اليوغور من القضايا الهامشية في أحسن الأحوال؛ فإنّ الهجوم على الصين بسبب سياساتها في منطقة شينجيانغ بدا غير مناسب. وعلاوة على ذلك، ومع التسهيل الباكستاني، فضلت بكين رشوة خصومها المحتملين: استفادت طالبان من الأسلحة الصينية، والأموال، والدعم السياسي المتواضع. وسواء كان ذلك لأسباب تكتيكية ضرورية أو ميزة نفعية بالأساس، لم تكن معاناة مسلمي اليوغور ذات أهمية أكبيرة لحركة طالبان أو للجماعات المسلحة في كشمير. وفي عام 1997، رفض أسامة بن لادن شنّ هجمات بالقنابل في منطقة شينجيانغ باعتبارها مؤامرة من وكالة المخابرات المركزية لتقسيم الصين والعالم الإسلامي.
لقد أصبح هذا النموذج غير قابل للتطبيق. وكانت هناك جماعات متشددة مثل حركة طالبان باكستان والحركة الإسلامية في أوزبكستان في المعارضة المسلحة لإسلام آباد لسنوات عديدة، وكانت في منتهى السعادة لاستضافة مسلمي اليوغور، ونقل دعايتهم، وضرب أهداف صينية بأنفسهم. لكنّ صعود تنظيم الدولة الإسلامية أثار الكثير من القلق لبكين. أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم، اعترض ضد انتهاك “حقوق المسلمين بالقوة في الصين”، وكثيرًا ما ظهرت منطقة شينجيانغ في دعاية تنظيم الدولة الإسلامية. ومن خلال سهولة الوصول إلى سوريا عبر الحدود المشتركة مع تركيا -البلد الذي يستضيف العديد من الويغور المنفيين- أدى ذلك إلى تدفق مقاتلي اليوغور وعدد قليل من قبائل هوى، وهي قبيلة أخرى للأقلية المسلمة في الصين.
موت الملا عمر جلب التهديد إلى داخل الصين. في أبريل الماضي، قبل ثلاثة أشهر من تأكيد خبر موته، احتجت الحركة الإسلامية الأوزبكية بغيابه الطويل كمبرر لتغيير ولائها إلى تنظيم الدولة الإسلامية. الخلافة المعلنة في سوريا والعراق، وهي المسألة الجهادية التي باتت حديث العالم الآن، هي نقطة التقاء واضحة لأي مجموعة غاضبة من قيادة طالبان، كما أنها حركة لم تُظهر أي تردد حول تسليط الضوء على الصين كعدو للإسلام.
التحول في قيادة طالبان لا يوفر بعض المزايا الرمزية للصين. من المحتمل أن يكون خليفة الملا عمر القادم هو الملا أختر منصور، الذي كان يدير الأمور في غيابه، وهو مقرب من القيادة في باكستان وأكثر استعدادًا لمحادثات السلام من غيره من قادة طالبان المنافسين. ولكن، حتى إذا أظهر منصور نيته للتعاون؛ فإنّ مركز الجاذبية للحركة الجهادية قد تغيّر بالفعل. ولفترة طويلة، تمكنت الصين من الحماية من التصدي للجهاد المسلح. ولكن، مع وفاة الملا عمر، تقترب تلك الحقبة من نهايتا.
فورين بوليسي – التقرير