المغترب الأردني…

أربعاء, 2015-08-19 09:26
بسام البدارين

أمطرني مغترب شاب بوابل من الأسئلة التي نعجز جميعا في الأردن عن إيجاد إجابة شافية عليها.
.. الفتى تمكن بصعوبة بالغة من شراء شقة صغيرة له في منطقة تعود لعمان الغربية ولاحظ بأنه دفع للخزينة مبلغا كبيرا جدا بدل تسجيل العقار وأنه سيدفع مبلغا موازيا بصفة سنوية ضمن ما يسمى ضريبة المسقفات.
المنطق يفترض أن يحصل الشاب على «خدمات» بلدية تماثل او توازي الضريبة التي يدفعها لكنه يصر على ان الشوارع وخدمة النظافة والماء والكهرباء في قريته شمالي الأردن أفضل من تلك التي يحصل عليها في مقر إقامته الجديد في عمان الغربية متسائلا:ما الذي يحصل؟
منطق الضريبة والخدمة المقابلة مضروب تماما في الأردن وأي نقاش فيه قد ينتهي بصاحبه ضمن علبة الاتهامات السياسية من وزن الوطن البديل ومتفرعاته وقد يكون المواطن الأردني هو الوحيد الذي يدفع ويمول الخزينة بدون الحصول على خدمات موازية بالمقابل فحتى موعد طبيب العيون في اي مستشفى حكومي يحتاج اليوم لواسطة من الوزن الثقيل.
عندما كان الدكتور عماد الفاخوري وزيرا لتطوير القطاع العام حدثني الرجل عن عوائد ضريبة توازي الرواتب سنويا وبمقدار يقترب من ثلاثة مليارات دولار وتحدث لي شخصيا عن خطة طموحة تنتهي بأن يحصل دافع الضريبة على خدمات موازية تضمن حقوقه الأساسية.
الرجل نفسه وبعد سنوات تقلد العديد من المناصب في مواقع القرار ولا زالت الأمور على ما هي عليه منذ عشر سنوات.
شخصيا لا أعرف ما الذي يحصل مع المسؤولين عندما يكثرون من الخطاب الإنشائي وتغرقهم المؤسسة بالتفاصيل التي توحي بأن الجميع يطحن الهواء ويغلف الغبار في الواقع.
يسأل المغتربون وتحديدا الشباب: لماذا وخلافا لكل أمم الأرض لا أحد يفكر ولو لحظة الاستفادة من خبراتنا التي نبني فيها مؤسسات ومجتمعات الآخرين؟
الجواب بسيط لأن هذا السؤال يفترض ان يطرحه شخص في مواقع المسؤولية والقرار وأول ما يخطر في ذهن اي شخص يتقلد وظيفة عليا بعد الاسترخاء فيها قدر الإمكان إبعاد وإقصاء كل من يفهم او يتقدم بطرح علمي ومتطور وبالتالي الخوف من كل مغترب أو حتى مقيم محوره الخوف من منافسة المسؤول في موقعه.. لذلك يحيط مسؤولون لا يتمتعون بأي كفاءة أو ثقل انفسهم بجيش من قليلي الكفاءة وأصحاب الوزن الخفيف حتى يتربعوا لأطول فترة ممكنة على كراسي الوظيفة.
ولذلك تجد بان ألد أعداء المغتربين المميزين هم في الواقع بعض السفراء والمسؤولين في الخارجية.
الفارق كبير بين «المؤمن» والموظف في الإدارة الأردنية.
يسألني مغترب آخر : عدد الأردنيين المستثمرين في الخارج كبير ويديرون مالا يصل إلى 120 مليار دولار..لماذا لا يفكر أحد ما بمخاطبة هؤلاء وإقناعهم بتوطين ولو ربع إستثماراتهم ؟
الجواب ايضا بسيط فرئيس إحدى اللجان التي كلفت من أعلى المرجعيات بوضع خطط إقتصادية تساعد في توطين الاستثمار قام بعد تكليفه باللجنة بتحويل ثروته الشخصية إلى حسابات خارج الأردن بعد بيع رأسماله الموطن..يعني ذلك ان طبقة الموظفين مهما ارتفع شأنها ستبقى تفكر بمصالحها المباشرة والأخطر انه يعني بأن اقرب عناصر حلقات القرار نفسها لا تؤمن بما يقال وتعمل بعكس توطين الاستثمارات.
لدي قصة مؤلمة أكثر صاحبها ركن مهم في السلطة لا زال في المشهد وقوامها ان نحو 2000 مستثمر في دول الخليج من أبناء قطاع غزة مستعدون وفورا لوضع مليون على الأقل لكل منهم في إستثمار داخل الأردن لكنهم يريدون التعامل معهم بإحترام فقط في المطار او نقاط الحدود ويبحثون عن الحق في تسجيل ملكياتهم بإسمهم.
اللافت في القصة ان مؤسسات القرار لا زالت تجد أن التمسك بتقاليد التعامل الخشن مع ابناء قطاع غزة لا زال أهم بكثير من إستقطاب ملياري دولار بصورة سريعة.
سأل صديق مخضرم من وزن محمد صقر يوما على صفحته على فيسبوك خلال إنعقاد مؤتمر المغتربين عن الكيفية التي ستقنع مغتربا بالإستثمار في وطنه مع الإستمرار في الإنتقاص من حقوقه المدنية الطبيعية.
يبلغني في أحد الأعوام طبيب مشهور بأن كبار مرضاه من المغتربين الذين يدفعون الكثير من المال لقاء خدمات صحية في وطنهم بان العدد يتقلص خوفا من موجة سحب الأرقام الوطنية وأعلم شخصيا بأن مستثمرين من الوزن الثقيل جدا صدرت اوامر عليا لهم بإعادة أرقامهم الوطنية لكنها لم تنفذ فعلى اي اساس يبني اي شقيق او أردني مصداقية تقنعه بتوطين أمواله.
المغترب الشاب نفسه يقول: في سنغافورة توقف الشعب عن الإستماع لرئيس حكومة او مسؤول يردد العبارة التالية «نعاني من شح بالمياه» فقد تم إختراع مياه في هذا البلد الذي تماثل ظروفه المائية ظروف الأردن تماما عبر إعادة معالجة ما نسبته 90٪ من المياه المستعملة.
صاحبنا يسأل: عمري 40 عاما ولا زلت أسمع نفس العبارة في كل بيان وزاري لحكومة جديدة وعلى حد علمي زار العديد من المسؤولين سنغافورة فلماذا نصر على ترديد العبارة إياها ؟.
ببساطة هناك ثمة إنتخابات نزيهة غير مزورة وإعلام حر فعلا وطبقة سياسية مؤمنة وليست «موظفة» والله من وراء القصد.