إذا سلمنا بأن النسبة الكبرى من السكان العرب من فئة الشباب، وأن الشباب هم الأكثر تفاعلا مع الإنترنت ووسائط تواصله، وبأن العرب هم أقل شعوب الأرض قراءة وإنتاجا للمعرفة، فإن هذا التسليم يقتضي الفهم والحل. الجاهل يضرّ نفسه، والجهل أسهل الأبواب التي تلج منها غيلان التعصب، والشباب بطبعهم أهل فعل وحركة وتصديق للمثاليات. الشباب، حسن النية، يريد تغيير الواقع بطرفة عين، إلى مجتمع العدل والفضيلة والمساواة، وهو ما لم يحصل منذ عصر إنسان الكهف، فما حصل هو تطور معقد وتدريجي استغرق مئات السنين للوصول، ليس إلى مجتمع المدينة الفاضلة، بل إلى حكم القانون في حده الأدنى، حتى في أوروبا حاليا، ولم يمنع ذلك وجود الشرور والتلاعب، وخير مثال على ذلك شخصية المحامي في الخيال الاجتماعي الغربي، فهي شخصية شريرة بكل حال.
هل صورة الماضي متفق عليها بين الجميع؟ الواقع أن لكل طرف روايته ورؤيته للتاريخ، وسبب هذا أن لكل طرف غرضه وهدفه من تصوير التاريخ بهذه الصورة.
لا يوجد تاريخ مجرد مطابق للحقيقة، حتى في سرد الوقائع والحوليات، يحصل التركيز على زاوية أخرى من زوايا الواقعة أو الحدث، لا نقول الاختلاق والكذب، وهذا بحد ذاته يوجّه القارئ لوجهة محددة. توجد دراسات مقارنة ومحاولات لاكتشاف ما جرى، ولكن لا يوجد دارس تاريخ، رزين، يدعي الدقة والحقيقة الكاملة. تبسيط التاريخ وتجفيفه في صورة وحيدة البعد، الغرض منه دعائي تعبوي، كما يحصل مع مقتل الحسين عند الخطاب الكربلائي العاشوري، ويحصل مع يوتوبيا «الخلافة» لدى الحركيين السنة.
من هنا، فإن تكثيف الإنتاج في مجال التاريخ الإسلامي، القريب منه والبعيد، على شكل روايات، ومسلسلات، وأفلام درامية أو وثائقية، وغير ذلك من المنتجات، بشروط فنية وعلمية عالية، يحدث توازنا في نفسية المتلقي العربي والمسلم، بين «مثلنة» التاريخ أو «شيطنته» (كما تفعل الجماعات العقائدية بتاريخنا)، و«عقلنة» التاريخ، كما يُفترض بنا أن نراه.
لا نتحدث عن التاريخ في القرون البعيدة؛ قرون الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين فقط، بل حتى التاريخ القريب، مثل انقلاب الخميني ورفاقه من الملالي في إيران، واحتلال جماعة جهيمان للحرم المكي 1979، وأحداث حماه بعهد حافظ الأسد، ومواجهات أنصار الإمامة وأنصار الجمهورية في اليمن، وانعكاسات غزو الكويت 1991 على دول الخليج. هناك إنتاج ما حول هذه الأحداث، لكنه يسير لا يشفي الغليل.
أحداث كثيرة، في الماضي القريب والبعيد، لو اتجهت لها قاطرة الفن والأدب العربي، لربما أسهمت في مخاطبة الشباب العربي، شحيح القراءة للكتب، بلغة بصرية تزاحم ما يقدمه له أهل الجهل أو الغرض. خطر هذا لي وأنا أقرأ الخبر الذي يذكر أن شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، ستبث، الشهر المقبل، فيلما وثائقيا يكشف هوية الجندي في وحدة النخبة «نيفي سيلز» الذي قتل أسامة بن لادن 2011، ويقدم مقاربة وصورا ومعلومات جديدة للحدث.