لدينا فرصٌ كثيرة، لإحداث حِراكٍ شعبيّ قويّ، يتغيّا التغيير الشامل، من خلال نوافذ صُغرى شديدة الصلة بالشأن العام. هذه هي الفكرة الوحيدة التي خطرت ببالي وأنا أتابع الحراك الاحتجاجي المتعلق بالنفايات الجاري حالياً بلبنان، والمُنشّط هاشتاغيا تحت عنوان: طلعت ريحتكم، إشارةً لأزلام السلطة الفاسدة. ويجبُ أن لايغيب عن أذهاننا هُنا أنَّ غالبية التغييرات الجذرية الشاملة، التي وصلت لهرم السلطة وبنيات العقلية المُجتمعية المُعرقلة، إنما كانت عن طريق تلك النوافذ الصغرى.
الآن، في موريتانيا، لدينا مايصلحُ كفايةً لأن يكون موضوعاً، فيما يخصُّ تلك النوافذ الشديدة الصلة بالقضية الشأن-العمومية. فهنالك مبدئياً، المُشكل نفسه المُثار بلبنان، النفايات، ولدينا مشكلات أخرى كثيرة، كالصرف الصحيّ، العطش، الانقطاع المتواصل للكهرباء، النقل، الخدمات الإدارية، الطرق، الأمن، التعليم، الصحة، العنصرية، القبليّة، الذكورية، الاغتصاب.. إلخ، وغير ذلك من المشاكل المتعددة. وباختصار، في الظرف الرّاهن، نحنُ مفوضون أزلياً لمهمةٍ واحدة عظيمة فقط، في حال قمنا بإجماع هذه المشاكل، هي القيام بالثورة على الفساد، المُتمثل في النظام العسكري الخيمهليّ الحاكم وأجهزتِه الرجعيّة، المُتعددة المهام، من مثقفين وفقهاء بلاطييّن، ورجال أعمالٍ فاسدين، تربطهم به القبيلة.
حالياً، وبنظرةٍ تدققُ ملياً في طوالع المستقبل، بقدرٍ من التفاؤليّة التنبؤية (ولا أريدُ أن أكون تنظيرياً ساذجاً بتفاؤله الأعمى، مع شديد حاجتنا للتنظير الثوريّ الواعي) فإنَّ ماينقصنا، هو تحيين هذه الفرص مُستقبلياً (يجبُ الإشارة إلى أنَّ السلطة عندنا مع الزمن قتلت في اللاّوعينا المستقبل والحلم البهيج به، وبذلك أعدمتنا كُلياً. الأمرُ الذي مكنها كثيراً من إحكام السيطرة علينا، ولاثورة تتحقق مالم يرافقها طاقةً وعيٍ قوية بالمستقبل) والحفاظُ عليها، مع الإشتغال حاضراً، على النزول الدؤوب، للشعب في هامشه الواقعي، مدينياً وقروياً وآدوابياً، وطرح مشاكله عليه (لا على النظام، كما تتوهم المثقفية الخيمهلية الرديئة، مُحاولةً تضليلنا أن النظام الحاكم مشكلته أنه لايعرف بمشاكلنا الجمة !) حتى يعيها وعياً جذرياً. وينبغي أن يحدث ذلك من موقعٍ تشاركيّ بحت، أيْ باعتبار أننا من الشعب والشعب منا.
نقلا عن صفحة الكاتب