القاضي أحمد عبد الله: دَفْعُ الاسْتِثْمَارَات..

سبت, 2015-08-29 17:55
القاضي أحمد عبد الله المصطفى

تَتصارع مختلف الدول، بما فيها الدول الصناعية الكبرى لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية إليها، وتقدم في سبيل ذلك تنازلات كبيرة للمستثمرين من أجل طمأنتهم وحمايتهم، تشمل حتى التنازل عن "قِيَّمِها" القانونية والديمقراطية..
الاستثمارات اليوم لا تتقيد بالحدود، ولا الجنسيات، ولا بالمجالات الحيوية للشعوب، ففي كل الدول يمتلك المستثمرون الأجانب الأراضي الزراعية الخصبة، والوكالات العقارية الكبيرة، وشركات الطيران، والموانئ البحرية الاستراتيجية، والنوادي الرياضية، فضلا عن الفنادق والمصارف والصناعات الاستخراجية، وشركات الاتصال، والطرق السيارة..
في موريتانيا: لا، فمهما اتخذت الدولة من سياسات تحفيزية لجذب الاستثمارات، يبقى التوجه الشعبي والنخبوي المهيمن، هو دفع الاستثمارات!..
مظاهر ذلك كثيرة: التحايل على المستثمرين، واستغلال النفوذ الاجتماعي والقبلي ضدهم لجعلهم يخسرون، وينسحبون ندامى، ويُظَاهِرُ الرأي العام عليهم في ذلك..
توصف شركات الاستثمار في القطاع المنجمي بأوصاف مستوحاة من القاموس البلشفي، وكأننا في بداية القرن العشرين، وتحاصر بكل السبل المتاحة ليترك لها خيار واحد، طي المتاع والرحيل..
تُوَّقِعُ الدولة شراكة اقتصادية مع مستثمر عربي مسلم في المجال الزراعي، تطالعك آراء مسفهة بأنه تبذير وبيع للأراضي الوطنية، وإدخال للغرباء، وافتيات على السكان، وتفويت لحقوقهم..
تعمد بعض الأطراف إلى النفخ في مناخر السكان المحليين لإحياء نزعة ملكية الأرض التقليدية لديهم لجعلهم يرفضون المشروع..
يتوقع دائما أن يكون كل استثمار في النهاية من مصلحة الدولة، والمجتمعات المحلية، وإن تكن الأخرى فلا خوف منه، فلا يستطيع المستثمر على كل حال قص الأرض، ولصقها في مكان آخر..
في السينغال المجاورة، وعلى مرمى حجر من حدودنا توجد مشاريع زراعية ضخمة رائدة على أرض هائلة يملكها مستثمر أجنبي من عشرات السنوات، يخدمها المجتمع المحلي، ويمر عليها الموريتانيون مصبحين، وكثيرا ما أثنوا عليها..
يمتلك مستثمرون موريتانيون عديدون عقارات وأراضي زراعية وشركات، واستثمارات أخرى في دول مختلفة (المملكة المغربية ـ مالي ـ ساحل العاج ـ الكونغو) وهم هناك بخير..
يمكن تفهم مواقف السكان العفوية من مشاريع جديدة عليهم، على ما يعتبرونه أرض الآباء، التي يحبون رؤيتها بورا كل صباح، عن أن يمر منها أحد..
يمكن تجرع مواقف أطراف التدافع في الحياة العامة، فربما لا يريد بعضهم نجاح مشاريع كبرى قد تحسب لطرف مُنَافَسٍ.. 
لكن تستعصي على الفهم مواقف النُّخَب، وقادة الرأي، المناهضة باستمرار للاستثمارات الأجنبية، والمتماهية بقوة مع كل صيحة عليها..

نقلا عن صفحة الكاتب