استخدام المضادات الحيوية بحكمة

خميس, 2015-09-03 10:20

حل مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات لا يحتاج العالم إلى عقارات وأدوية جديدة فحسب، بل وأيضا إلى سلوكيات جديدة من قبل كل سكان الأرض من البشر، فبسبب سوء استخدام المضادات الحيوية والإفراط في تعاطيها أصبحت الأمراض المعدية الشائعة مثل الالتهاب الرئوي والسل مقاومة للعلاجات المتاحة حاليا، وفي بعض الحالات أصبحت محصنة ضدها تماما.

ويتخذ التهديد نطاقا عالميا، فوفقا للجنة مراجعة مقاومة مضادات الميكروبات -التي أتولى رئاستها- تقتل الأمراض المعدية المقاومة للأدوية سبعمئة ألف شخص سنويا على الأقل، وإذا لم يحدث شيء لمعالجة هذه المشكلة فقد يموت نحو عشرة ملايين شخص سنويا بحلول عام 2050 بسبب أمراض كانت قابلة للعلاج ذات يوم.

إن تطوير أدوية جديدة يشكل عنصرا بالغ الأهمية في إطار استجابة منسقة لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، ولكن هذا لن يكون كافيا، فمن الواجب علينا أيضا أن نحد من الطلب على المضادات الحيوية وأن ندرك أن ضررها قد يكون في بعض الأحيان أعظم من نفعها.

فوفقا لأحد التقديرات، ما يقرب من نصف الوصفات الطبية للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة غير ملائمة أو غير ضرورية، وبالتالي فإن الارتفاع الحاد في مقاومة المضادات الحيوية ليس بالأمر المستغرب.

لا شك أن تحسين فهم الناس للمشكلة أمر بالغ الأهمية لعكس هذا الاتجاه، ذلك أن أغلب الناس إما غافلون تماما عن مقاومة مضادات الميكروبات أو يعتقدون خطأ أن جسم الفرد هو الذي يصبح مقاوما للأدوية وليست البكتيريا ذاتها، والفهم الأفضل لتوقيت استخدام المضادات الحيوية وكيفية استخدامها على نحو فعال من شأنه أن يساعد الناس في استخدامها بشكل مسؤول.

حملات
ونحن في احتياج إلى حملات كتلك التي نظمتها الجمعية الخيرية الأسترالية (NPS MedicineWise) التي عقدت مسابقة لمقاطع الفيديو التي تروج للوعي الشعبي العام باستخدام المضادات الحيوية، وكانت النتيجة سلسلة من الأفلام القصيرة البارعة التي تشرح بطريقة بسيطة وممتعة كيف يمكن إساءة استخدام المضادات الحيوية.

إن هذه الأشكال من الجهود مطلوبة في مختلف أنحاء العالم، خاصة في البلدان الأكبر حجما والأسرع نموا، وصحيح أن بلدان مجموعة البريك: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين تستهلك مضادات حيوية لكل شخص أقل من تلك التي تستهلكها الولايات المتحدة لكنها تقترب بسرعة من اللحاق بها، حيث يفوق معدل استهلاك المضادات الحيوية وتيرة النمو الاقتصادي.

يزعم المتشائمون أن السلوكيات يصعب تغييرها، خاصة عندما يكون تغييرها متوقفا على شرح علم الجراثيم لجماهير من غير المتعلمين، ويعيد هذا الخط من التفكير إلى الأذهان واحدة من أكثر الحجج إثارة للاشمئزاز ضد إتاحة أدوية مرض نقص المناعة البشرية بأسعار معقولة للمرضى في البلدان ذات الدخل المنخفض والتي كانت ببساطة أن الناس في أفريقيا لا يرتدون ساعات معصم وبالتالي فإنهم لن يكونوا قادرين على تناول الدواء المضاد للفيروسات ثلاث مرات يوميا.

الحقيقة -كما أظهر الباحثون- هي أن الأفارقة قادرون تماما على الالتزام الكامل بالعلاج المضاد للفيروسات وغالبا بشكل أفضل من أقرانهم في أميركا الشمالية، والواقع أن برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية (إيدز) أعلن أن هدف وضع 15 مليون شخص على برنامج علاج فيروس نقص المناعة البشرية المنقذ للحياة بحلول نهاية عام 2015 تحقق قبل الموعد المحدد.

في الأول من ديسمبر/كانون الأول من كل عام يسلط اليوم العالمي للإيدز الضوء على القضية ويرفع الوعي العالمي، ونحن في احتياج إلى جهد مماثل في التصدي للمخاطر المترتبة على مقاومة مضادات الميكروبات، ويعد اليوم الأوروبي للتوعية بشأن المضادات الحيوية في الـ18 من نوفمبر/تشرين الثاني بداية طيبة، لكن يتعين علينا أيضا أن نعمل على إيجاد سبل جديدة خلاقة لنشر الرسالة.

الإبداع التكنولوجي 
ويجلب الإبداع التكنولوجي فرصا غير مسبوقة للوصول إلى الناس بشكل مباشر، فنحو 95% من الصينيين و75% من الهنود يستخدمون الهواتف المحمولة بشكل منتظم، وفي المناطق -حيث ترتفع معدلات معرفة القراءة والكتابة- تعمل الرسائل النصية القصيرة كوسيلة سريعة وفعالة لنشر أي رسالة، وتظهر الأبحاث في أوروبا والولايات المتحدة أن 90% من الرسائل النصية تقرأ في غضون ثلاث دقائق من تلقيها.

وتشكل وسائل الإعلام الاجتماعية أداة أخرى قوية ورخيصة نسبيا للوصول إلى الملايين من البشر، ففي الصين -موطن أضخم قاعدة للإنترنت على مستوى العالم والتي تضم 641 مليون مستخدم- يستخدم 80% من الأطباء الهواتف الذكية لأغراض مهنية بما في ذلك من خلال تقديم المشورة الطبية عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية مع اجتذاب بعض الممارسين للملايين من المتابعين.

من الواضح أن توظيف هؤلاء النجوم الطبيين الخارقين في عالم وسائل الإعلام الاجتماعية لتثقيف عامة الناس بشأن خطورة ظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات يمثل فرصة عظيمة الأهمية.

وتقدم الحملة التي تنظمها وسائل الإعلام الاجتماعية لمكافحة التدخين بقيادة منظمة الصحة العالمية نموذجا آخر يمكن اتباعه، وقد استخدمت مشاركات مشاهير الصين لزيادة الوعي بالقانون الذي يحظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة.

تشجيع التغيير 
في بعض أجزاء من العالم تتلخص أفضل طريقة لمكافحة مقاومة الأدوية في التشجيع على التغيير في السلوكيات على النحو الذي يفضي إلى الحد من انتشار الأمراض المعدية وتقليل الحاجة إلى العلاج. 

ويعد غسل اليدين بالطريقة الصحيحة نقطة انطلاق عظيمة، وفي الهند استخدمت حملة بارعة تسمى (SuperAmma) صورا لأشخاص معرضين لمواقف غير صحية للتشجيع على غسل اليدين، وقد نجحت الحملة وبشكل مستدام في زيادة غسل اليدين بانتظام من 1% من المجموعات المشاركة إلى نحو 30%.

إن تكاليف الجهود العالمية للتوعية من مخاطر مقاومة مضادات الميكروبات تتضاءل مقارنة بالمبالغ التي تنفق بالفعل لتطوير أدوية وتكنولوجيات جديدة والتي لن تصبح متاحة قبل سنوات على أي حال. 

ويتعين على كل بلدان العالم أن تسارع إلى تنظيم حملات تثقيفية والبدء في تغيير السلوكيات، إننا قادرون معا على كسر عاداتنا السيئة في التعامل مع المضادات الحيوية.

جيم أونيل

الجزيرة.نت