ثمة مسوغ قوي اليوم للقول إن المشروع الأزوادي مشروع خاسر ضائع، دخل في مستنقع الماضي وباطن الحاضر ، وفي الإمكان إيجاز المسوغ على النحو الآتي:
أولا : إن دولة مالي ليس لديها من الشجاعة ما يكفي لمواجهة حدث كحدث ولادة دولة جديدة جارة لها، وإن الدولة الجزائرية المسلحة بالقوة السياسية وحتى العسكرية هي الآن القوة العظمى بالمنطقة لا تريد مراوغة قوتها في زاوية ضيقة في المنطقة برمتها حيث يعتبر جنرالاتها بأن قيام دولة جديدة في الصحراء الكبرى يهدد سلطتهم المهيمنة عليها ،وهي لذلك ليست مهتمة بالسلام وفق شروط يمكن أن يقبلها الأزواديين، وقد غسلت هذه الدعاية عقول الغالبية الساحقة من مواطني مالي، وعليه هم ليسوا منفتحين لمناقشة عقلانية موضوعية حول حق الشماليين (الأزواديين) في العدالة .
ثانيا : لأن القوى الكبرى في العالم لا تنوي استخدام قدرتها أو حتى لا تحاول دفع مالي وحليفتها لوقف تحديهما للقانون الدولي وتنكرهما لحق شعب يطالب بحقه المشروع في العدالة.
ثالثا : ليس لدى دول النظام الإفريقي المستبدة والمنقسمة أي اهتمام بمواجهة حل لقضية دامت عشرات السنين، وهي أيضا لا تملك الإرادة لاستعمال إمكاناتها في الضغط على الأطراف لإجبارها على أن تكون جادة في السلام على قاعدة العدالة للأزواديين والأمن للجميع.
رابعا : ليس لدى الأزواديين المحتلين والمضطهدين قيادة ذات مصداقية ولن تتغير هذه الحال ببساطة بتنحي بعضهم وإفساح السبيل ل’’قيادة’’ جديدة.
لابد أن يُستهدف رسم تجربة بداية جديدة, ( الرسم ) يستلزم توظيف أوسع طيف من الأفكار والتصورات لمناقشة السياسة والإستراتيجية بقصد توصيل الأفكار والاستراتيجيات لحل جديد للقضية المالية _الأزوادية ؛ إن للهيئات المالية وغيرها من الهيئات السياسية والجهات ذات الاهتمام بهذا الصراع في العالم النظر إلى البداية قبل العمل على نهاية ظاهرة حتى وإن كانت خلف كواليس عميقة.
وفق استطلاعي ومتابعتي المتواضعة للقضية ومعرفتي لأطرافها، لاحظت أن حوالي 81 % من الشعب المالي يعتقدون أن السلطة المالية فاسدة مفسدة بشكل عام و في شمال البلاد (أزواد) بشكل خاص، ولهذا يجب إيجاد حل جديد وليس نهاية ظاهرة قديمة.
ولا يجب النظر إلى الفساد في مؤسسات السلطة المالية على أنه محض خطأ إداري ومالي اقترفه أناس عديمو المسئولية بدافع الطمع والمنافع الشخصية ؛ ففضائح الفساد التي تنقسم بين مؤسساتها تدور مناقشات حامية حولها بين الفينة والأخرى ، مثل اختلاس المال العام ، وإساءة استخدام الموارد ، والمحسوبية ؛ إنما هي نتاج فساد مترسخ مزمن في صميم بنية القوى الشعبية، و تحذر في منظمة المؤتمر الوطني الأزوادي أول حزب سياسي يناضل من أجل حقوق الشعب الأزوادي منذ 2006، قبل انتهاء عملية الانتفاضة المعروفة ب’’آليانص’’.
وأعرف من أحاديث قديمة أن محمد علي أغ الطاهر الأنصاري و زيد أغ الطاهر, والآباء المؤسسين للحراك الأزوادي الذي منه نبعت الحركات الحالية ما أرادوا لهذا الفساد أن يقع ولهذا كانوا يحاربونه منذ الاستعمار الفرنسي، وأرادوا حقا أن تكون دولتهم ديمقراطية وهو أحد الأسباب التي جعلت الأنظمة الاستعمارية وبعض الأنظمة العربية تتخوف من منظمة التحرير الحقيقية، بل تمقتها. وأذكر على سبيل المثال ما قاله لي يوما أحد الآباء المشاركين في الكثير من التحركات منذ البدايات، قائلا: " لا مفر لنا إن لم نكون ديمقراطيين ، سنفشل إذا صرنا مجرد نظام آخر". ويبدي أيضا الملاحظة الآتية: " كان سوء التنظيم عاملا كبيرا في عجز الحكومة المالية عن بلوغ أهدافها في الترابط والتلاحم مع أبناء شمالها، وهذا الآن يخدم أهداف بعض جاراتها".
إذا أراد الأزواديون كيانا تمثيليا ، ووحدة وطنية ، ونهاية لخلافات الفصائل, فعليهم بناء حركتهم من البداية ، وطرح القيادة القديمة جانبا ، والكف عن إجلالها هي وزعمائها بصرف النظر عن أصولهم الثورية المحاطة بهالة البلاغة ، وعن ألقابهم ورمزيتهم والصلات العاطفية بهم . إن نهاياتهم الماضية الفاشلة ينبغي أن يستحثهم إلى تصور مستقبل مغاير، والعمل من أجله وإلا فالأمل ضعيف في إيجاد إستراتيجية ناجحة أو وسيلة لنيل الحقوق المطلوبة. إن الفهم التام لذلك النهاية الظاهرة يجب أن يأخذ في الحسبان حقيقتين على جانب عالٍ من الأهمية . أولاهما أن إياد أغ غالي غامر بكل شيء ، بمصداقيته أمام زملائه في القيادة ، وبحياته ، ليمهد الأرض على الجانب المالي للسلام وفق نهاية سابقة و وفق شروط لا يمكن أن تقبلها أي تنظيم غير التي تقدس بعض العنتريات. والسؤال المطروح ألا يحق أن تؤيد القوى الكبرى بقيادة فرنسا فكرة إياد أغ عالي، بعدما أمن الدعم اللازم لسياستهم بميله إلى تسوية لم تخطر على بال أحد من قبل ، وفق إرادة الدولتين المعنية والمتوفرة لحل السلام في المنطقة؟
والحقيقة الثانية أن الشعب الأزوادي المحتل و المقموع لم يفشل ، لقد كانت سياسة مالي تستهدف تحويل حياته إلى جحيم على أمل أن يتخلى عن نضاله أو يخضع لشروطها و يحزم حقائبه ويبدأ حياة جديدة قبل نهاية جديدة في الدول العربية وغيرها من البلدان.
ويبقي السؤال هل سيتحمل الأزواديون الهيمنة الإيادية أم أن الكيل قد طفح ولا مجال للعودة مرة أخرى إلى الوراء؟