ثار موضوع عدم استقبال دول الخليج للاجئين السوريين في بلدانهم جدلاً كبيراً في الأوساط الأوروبية التي ترى أن الخليج له يد في الأزمة السورية، ولا يمكن تجاهل الدور الخليجي ليقتصر في جانب ويترك في جانب آخر. بمعنى منع توفير فرص إعادة توطين اللاجئين السوريين وهم من تجمعهم روابط لغوية ودينية تحتم على الدول الغنية في الخليج أن تقدم المأوي الآمن لهؤلاء الفارين من جحيم الحرب في سورية.
اللاجئ السوري يرى أمامه إما خيار الهرب عبر قوارب الموت أو الطريق الخطرة باتجاه أوروبا.
صحيح احتج البعض وقبل البعض لكن في النهاية، جرى تنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة الغنية منها لاستقبال اللاجئين السوريين في خطوة وصفت بأنها أكبر كارثة إنسانية من بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا لايعني أن المضايقات قد توقفت نهائياً في المجر وصربيا، تلك الدول التي مازالت تعارض بشدة وبعصبية تدفق هؤلاء المهاجرين القادمين بخاصة من سورية واعتباره بأنه خطر يهدد هوية أوروبا المسيحية من إسلام الشرق المتشدد على حد كلام أنصار أحزاب اليمن في هذه الدول الأوروبية.
ورغم تعالي أصوات اليمين إلا أن دولاً مثل ألمانيا والنمسا وبريطانيا وفرنسا، والآن إسبانيا قررت استقبال المهاجرين السوريين بما لا يتنافى مع مبادئ وقوانين حقوق الإنسان المعمول بها في دول الاتحاد الأوروبي. وكانت البداية مع المانيا التي فتحت حدودها أمام المهاجرين السوريين لتخطو ذات الخطوة دول أوروبية أخرى لاستيعاب هذه الحشود الكبيرة وتوزيعها فيما بينها كل بحسب إمكانياته.
وخطوة ألمانيا دفعت البعض إلى إطلاق دعوات إلى ضرورة إصدار ميثاق وطني في ألمانيا، وذلك لدمج مئات الآلاف من اللاجئين الذين يحتاجون للحماية. وكان من تصدر لهذه الدعوة التي أطلقت الأربعاء الماضي رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الألماني كاترين جورينج خلال جلسة النقاش العام بالبرلمان الألماني «بوندستاج» إذ أشارت إلى أنه لابد أن تشارك الولايات والبلديات والنقابات وأرباب العمل والكنائس والجمعيات الخيرية في هذا الجهد المشترك. وأن سياسة اللجوء الألمانية يجب أن تكون في الأزمات فقط، وأوضحت أن مهمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير تقتصر على التعامل مع المشكلة فقط وأن عزل الحدود الخارجية الأوروبية كان أمراً مخجلاً. كما أن توفير طرق آمنة للاجئين للقدوم إلى أوروبا يعد الوسيلة الوحيدة الفعالة للتصدي للمهربين، ولهذا السبب شددت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر على ضرورة أن يكون هناك قانون هجرة حديث.
وإن كانت هناك دعوات إلى ضرورة سن قانون هجرة حديث وميثاق يضمن دمج اللاجئين داخل ألمانيا التي قامت مشكورة باستقبالهم، أضف إلى الدعوة التي أطلقها بابا الفاتيكان لرعاية واحتضان الأسر السورية الباحثة عن الأمان وصولاً إلى كوبيك الكندية التي هي الأخرى رحبت، إلا أن دول الخليج تبقى بعيدة عن مثل هذه المبادرات. فهي - بحسب التقارير الأوروبية - تريح ضميرها فقط من خلال تقديم المساعدات المالية وهذا ما أشارت إليه أيضاً الصحف الغربية خلال الأيام الماضية وفي مقدمتها صحيفة «هانلزبلات» الألمانية إذ اتهمت دول الخليج بالتهرب من المسئولية، معلقة: «كان من الواجب أن تقوم دول الخليج ذات الثراء الفاحش بالتزاماتها الأخلاقية تجاه اللاجئين في المنطقة، وخاصة أن هؤلاء من الدول الأقرب لمناطق الحرب».
لكن ما الذي يمنع الخليج من استقبال اللاجئين؟ ففي تقرير كتبته «دويتشه فيله» نشر في (6 سبتمبر/ أيلول 2015) أشارت إلى أن نسبة الأجانب في دول الخليج مرتفعة جداً ومستعرضة ما جاء أيضاً في تقارير مماثلة لمنظمة العمل الدولية والأمم المتحدة فهناك ما بين 29 مليون سعودي مثلاً ستة ملايين من العمالة الأجنبية، العاملة بشكل رسمي في هذا البلد الخليجي، وهم معظمهم من الدول الآسيوية كالهند وباكستان والفلبين وبنغلاديش وسريلانكا والنيبال. أما في الكويت، فتبلغ نسبة الأجانب 60 في المئة، بينما تبلغ في قطر 90 في المئة من مجموع السكان، وفي الإمارات 80 في المئة.
ويبدو أن قلق دول الخليج من تبعيات استقبال المزيد من الأجانب أكبر من رغبتها في توفير المساعدة للسوريين. ويزيد من هذا القلق التعقيدات المرتبطة بطرد اللاجئين من البلاد، مقارنة بالقوى العاملة الأجنبية، التي يمكن إبعادها من البلاد في أي وقت، كما حدث ذلك في العام 2014 عندما قامت السلطات السعودية بتصحيح أوضاع 370 ألف عامل أجنبي، رغبة منها في توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين.
وفي حال قيام دول الخليج باستقبال اللاجئين، فقد يصبح موضوع إبعادهم مشكلة أخلاقية كبيرة، وبالتالي فهي تفضل عدم استقبالهم منذ البداية وهذا قد يكون احد الاسباب ولكن يبقى عذرا غير مقبول اوروبيا في ظل غياب واضح لقوانين الهجرة في الخليج.