تونس: "برشا" شعارات بلا ثورة ولا اصلاحات

أربعاء, 2014-11-05 10:03
فيصل جلول

نجحت الانتخابات البرلمانية الاخيرة في تونس في نقل البلاد من الديمقراطية المؤقتة الى النظام الديمقراطي الدائم الذي يعنى بحل المشاكل التونسية عبر صناديق الاقتراع ومن المتوقع ان تسير الانتخابات الرئاسية في الاتجاه نفسه . لكن هذه السيرورة لم تضمر حلولا صريحة للمشاكل التي اطاحت بن علي و تجنب الثوار المس باي من مكونات اقتصاده فضلا عن سياسته الخارجية فهل يستقيم خلع الرئيس مع الاحتفاظ بسياستيه الخارجية والاقتصادية ولماذا؟ هذا السؤال سيكون محوريا في المرحلة المقبلة والجواب عنه يستدعي الرجوع قليلا الى الوراء.

بنى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي سلطته واقتصاد بلاده على موقع تونس الجغرافي المجاور للاسواق الاوروبية فكانت السياحة والاستثمارات مصدرا مهما من مصادر الاقتصاد وبخاصة نقل مصانع والشركات الى تونس للافادة من رخص اليد العاملة و تدني الضرائب. وتفيد الارقام ان حوالي 1400 شركة فرنسية كانت تعمل في هذا البلد عشية سقوط البوعزيزي. معلوم ان المؤسسات الدولية كانت تغدق شهادات حسن السلوك على سياسة بن علي الاقتصادية والامنية والخارجية التي كانت تصوغها مجموعة من السماسرة المحليين في مجالي الاقتصاد والثقافة. كانت هذه السياسية تقدم

بوصفها نموجا لما ينبغي ان تكون عليه سياسة الدول العربية في مجال مكافحة الفقر والارهاب لذا كان من الصعب على فرنسا ان تقبل سقوطه حتى اللحظة الاخيرة وقد دافعت عنه بشجاعة بل كانت في سبيلها الى تزويده بوسائل حديثة لقمع المتظاهرين.

لم يمس الثوار خلال السنوات الثلاث الماضية اقتصاد بن علي خوفا من اثارة الاوروبيين واذا استبعدوا بعضا من جهازه الاداري لم يجرؤا على المس برموزه العليا اما في السياسة الخارجية فقد ارتكبوا اخطاء فادحة عبر الاصطفاف خلف قطر وخوض معاركها فكان من ما كان من انتشار القلق الامني وهروب الاستثمارات والسياح وازدياد التضخم والبطاله ونمو الاقتصاد الرديف وذلك الى حد تجمع ظروف انقلابية لا تقل خطورة عن الظروف التي اطاحت الرئيس السابق.

كان على حركة النهضة وهي الحاكم الفعلي خلال السنوات الماضية ان تتجنب المواجهة مع الشارع فقدمت تنازلات اساسية من بينها الامتناع عن مس اساسيات الاقتصاد التونسي وتقديم تنازلات للمؤسسات الدولية والعودة الى سياسة خارجية متحفظة و الموافقة على دستور يتناقض مع شريعتها الاسلامية وايكال السلطة لحكومة محايدة والقبول بفرضية خسارة الانتخابات وبعودة جهاز بن علي الاداري الى استئناف نشاطه الساسي ومنه حامد القروي الوزير الاول وكمال مرجان وزير الخارجية المرشح لرئاسة الجمهورية.. بعبارة اخرى رضي الثوار العودة الى النظام القديم بلا راسهوهي عودة مترافقة مع " برشا" شعارات ونوايا وامنيات لا قيمة لها في حسابات الاقتصاد والسياسة الخارجية.

الناظر الى برامج حركة النهضة ونداء تونس الانتخابية وهما الحزبان الاكبر في البلاد يلاحظ بوضوح ان كليهما يريد تحسين شروط التبعية للاسواق الغربية وهذا التسابق يفيد نداء تونس الذي لا يحمل ادعاءات راديكالية ويعلن زعيمه صراحة ان الاسواق وعدته ب 140 مليار دولار لحل مشاكل شعبه اذا ما فاز بالانتخابات وانه سيطبق السياسة المفيدة لتلك المليارات. في حين تلوح النهضة بالتجربة التركية التي تنشد هي الاخرى الخضوع للاسواق لكنها تحتاج الى وقت والى جاذبية لا تداعب مخيلة العاطلين عن العمل والساقطين يوميا تحت خط الفقر ممن كانوا في اصل الثورة وفياصل خلع النظام .

.ما يحدث في تونس الان هو استعادة للنظام القديم بلا راسه وبالتالي اماطة اللثام عن ثورة انتقائية غايتها تحسين شروط التبعية للاسواق الغربية والبحث عن مشروعية لحكم تونس ولحل مشاكلها على هامش هذه الاسواق. وما عدا ذلك "برشا شعارات" وامنيات ونوايا حسنة كما يقال في العامية التونسية.

ارم