الروس يعملون وأوباما يتكلم

خميس, 2015-10-01 06:30
بكر صدقي

لعل توصيف أوباما، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاثنين 28 أيلول، لرأس نظام دمشق الكيماوي بأنه «طاغية يقتل الأطفال بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي» لاقى قبولاً حسناً عند السوريين الذين بلغ بهم اليأس مبلغاً كبيراً، في الآونة الأخيرة، على وقع تصريحات كيري وميريكل وكاميرون وأردوغان التي أخذت تميل إلى القبول ببشار الأسد جزءاً من «المرحلة الانتقالية». وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو قد تساءل بحق: «كيف تكون مرحلة انتقالية بوجود الأسد؟». فجميع الدول تعرف أن الانتقال السياسي يعني، في النظام السياسي المعمول به في سوريا، انتقالاً للسلطة المطلقة من يد الأسد قبل أي شيء آخر، أي قبل البحث في تغيير النظام السياسي المذكور إلى نظام ديمقراطي عادي. 
ولكن ما هي قيمة هذا التوصيف السليم، سواء للمجرم قاتل الأطفال أو للمشكلة السورية من أساسها كثورة شعب طالب بالحرية والكرامة، أمام تأكيد أوباما بأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحل مشكلات العالم بمفردها، على رغم الجيش والاقتصاد القويين اللذين تملكهما؟ فهذا هو بيت القصيد في خطاب أوباما أمام الجمعية العامة في ما خص المشكلة السورية: الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع روسيا وإيران لإيجاد حل سياسي للمشكلة السورية. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الخطاب جاء بعد تصدر التدخل الروسي في سوريا أخبار العالم طوال الشهر الماضي، أمكن لنا القول إن الإدارة الأميركية رضخت للتسليم بالدور الأول لروسيا في تحديد مصير سوريا. وبالنظر إلى استمرار تباين المواقف بشأن مصير رأس النظام، يمكن القول إن التجاذبات بين الطرفين الفاعلين في سوريا (حلفاء النظام وخصومه) حول الحل السياسي ستستمر لفترة ليست بالقصيرة.
هناك الآن دعوة لعقد اجتماع سداسي، خلال شهر تشرين الأول، يضم وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران وتركيا ومصر، يشكلون معاً مجموعة ارتباط للتداول حول إيجاد حل سياسي للصراع الدائر في سوريا. واضح من تحديد هذه الدول مراعاة توازن، بالمناصفة تقريباً، بين الأطراف الاقليمية والدولية المعنية مباشرةً بالمشكلة السورية، وذلك بصورة متوازية مع العمل الذي يقوم به المبعوث الأممي دي ميستورا في خطته المسماة بـ»المسارات الأربعة» التي حظت بتغطية أممية في البيان الرئاسي لمجلس الأمن. 
الجديد الذي يميز مجموعة الارتباط المقترحة عن تلك التي أنتجت «جنيف1» صيف العام 2012، إنما هو الاعتراف الأميركي – الغربي بدور إيراني في تحديد مصير سوريا، الأمر الذي لم يكن ممكناً قبل توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى الست. والإدارة الأميركية التي أفشلت حضور إيران في مؤتمر جنيف 2 بعدما وجه لها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعوة للمشاركة، باتت الآن «مستعدة للعمل مع روسيا وإيران» لإيجاد حل سياسي في سوريا. 
ولكن أي حل سياسي يمكن الوصول إليه في ظل التباينات المعلنة في مصالح القوى المتصارعة على أرض سوريا ومستقبلها؟ وكيف يمكن إيجاد مخرج توافقي بشأن مصير رأس النظام؟ وقبل ذلك ما هي أهمية «عقدة الأسد» بالنسبة لمختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين؟
يدرك الأميركيون والروس، على السواء، أن إخراج الأسد وعائلته من المعادلة قد يؤدي إلى انهيار مفاجئ في النظام ككل، وهو ما يخشونه ولا يريدون حدوثه. لا يتعلق الأمر بمواصفات شخصية لبشار، وقد تأكد لكل من التقى به من سياسيين وإعلاميين أنه شخص كذاب ومحروم من كثير من العواطف البشرية السوية، بقدر ما يتعلق ببنية النظام السياسي – الأمني وتراتبيته وعلاقته بقاعدته الاجتماعية اللصيقة. حين يؤكد الروس، في كل مناسبة، أنهم لا يتمسكون بشخص معين في سوريا، ثم يعودون إلى لغوهم المعتاد بصدد أن «مصير الأسد يحدده الشعب السوري» فإنما يعبرون عن هذه الحقيقة. وقال أوباما أمام مؤتمر «مكافحة تنظيم داعش والتطرف العنيف» المنعقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن هزيمة داعش تتطلب وجود «قائد جديد» في سوريا. إذا أردنا ترجمة هذا الكلام إلى لغة أكثر فصاحةً، فالأميركي يطلب من الروسي والإيراني أن يجدا بديلاً من داخل النظام لشخص بشار. هذه هي التسوية المقبولة أميركياً.
أما الروس فهم بانتظار أن يقدم النظام هذا البديل. وهذا النظام هو من التعقيد والهشاشة بما لا يتيح له المغامرة باستبدال رأسه، لعل أحد أهداف الحضور العسكري الروسي المستجد، وفي منطقة الساحل تحديداً، إنما هو محاولة بعث الطمأنينة في القاعدة الاجتماعية الأشد ولاءً للنظام، بما ييسر البحث عن بديل بأقل قدر من المخاطرة بانهيار النظام. ومن المحتمل أن السكوت الأميركي على التصعيد الروسي في سوريا يعود إلى السبب نفسه. «نريد انتقالاً سياسياً مسيطراً عليه في سوريا» قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة. وهكذا رأينا كيف تحول «القلق» الأميركي من التدخل العسكري الروسي في البداية، إلى تفهم، وصولاً إلى التنسيق العملياتي بشأن مشاركة روسية محتملة في قصف مواقع داعش جواً. 
لا نعرف، إلى الآن، مدى تغلغل النفوذ الروسي داخل المؤسسة العسكرية التابعة للنظام، وهل يتيح هذا النفوذ المحتمل لموسكو «اقتراح» بديل عن الأسد أم لا. ما نعرفه هو أن النظام كان قد أطاح بكل قوة هذه المؤسسة في المعادلات الداخلية، منذ مطلع التسعينات، تحضيراً لتوريث السلطة لباسل الأسد أولاً، وبشار الأسد بعد قضاء الأول في حادث سير، فبات قادتها مجرد خدم ذليلين لدى العائلة الحاكمة. لكننا لا نعرف مفاعيل الحرب الدائرة اليوم على أرض سوريا، منذ خمس سنوات، على علاقة المؤسسة العسكرية بالعائلة الحاكمة. ترى هل استعادت بعض أهميتها ووزنها بعدما خاضت حرب الدفاع عن النظام طوال سنوات وقدمت تضحيات كبيرة لحماية النظام من السقوط، ولم تنشق عنه كما فعلت قرينتها في مصر حين تخلت عن حسني مبارك؟ 
الخلاصة أن «الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على مبادئ الحل السياسي، مع خلاف حول مصير الأسد» كما قال جون كيري. أما المبادئ المتفق عليها في قمة بوتين – أوباما، فهي «وحدة الدولة السورية، وعلمانيتها، ووجوب التصدي لداعش، ووجوب عملية انتقال سياسي موجهة» 
يمكن صياغة هذه المبادئ بطريقة سالبة كما يلي: لا للتقسيم (لا دويلة علوية ولا كيان كردي)؛ لا لدولة دينية. نعم لانتقال سياسي، من غير أن يعني ذلك انتقالاً إلى نظام ديمقراطي تعددي، بل انتقال سياسي «موجه» ومنضبط.