نزهة روسية في سوريا

ثلاثاء, 2015-10-06 08:10
توفيق رباحي

ذا صدّق المرء الأخبار والصور الواردة من سوريا عن القصف الروسي والأمريكي لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية، حقَّ له أن يستبشر خيراً ويحتفل بقرب سحق التنظيم من الوجود.
فلا يُعقل أن تشكل الولايات المتحدة الأمريكية تحالفا من أكثر من ستين دولة، تلتحق به تركيا مؤخراً، ثم تأتي روسيا بسلاحها الجوي وخبراتها الحربية واستخباراتها، فيلتقي كل هذا الجمع في قتال التنظيم ولا يقضي عليه.
بيد أن الواقع ليس بهذه الوردية والبساطة. لسوء الحظ، سيعيش العالم مع «داعش» شهوراً وسنوات أخرى عناوينها القتل والذبح وسفك الدماء إلى أن يفقد هذا التنظيم أسباب وجوده، أو يقتنع الذين اخترعوه وشجعوه بنهاية دوره التاريخي فيتخلصون منه.
بلا تردد يجوز الجزم بأن الحرب الروسية والأمريكية على «داعش» عبثية لا طائل من ورائها. الأمريكيون جاؤوا إليها مرغمين وبعد ضغوط من الحلفاء والأصدقاء، وهم لا يعرفون بالضبط ماذا يريدون منها. والروس دخلوها لأنهم يبحثون عن دور في اللعبة الكبرى، ولأنها (الحرب) بعيدة عن أراضيهم وقليلة الكلفة: إذا انتصروا فيها نالوا شرف ذلك، وإن انهزموا لن يكون ذلك الانهزام العسكري المدوي، ولن تكون أفغانستان أخرى.
ربما لهذا قال الروس إن الحملة الجوية التي تنفذها طائراتهم ستستمر ثلاثة إلى أربعة أشهر. كان حريًّا بهم القول: المهمة ـ النزهة ستستمر ثلاثة إلى أربعة اشهر! إذ لا يُعقل أن يقرر جيش دخول حرب غامضة ومعقدة بمثل هذا القدر ويحدد من البداية مدتها إلا إذا كان مستخفا بخصمه بلا حدود، أو كان هدفه خوضها لفترة معينة ثم تركها بغض النظر عن النتائج التي تكون قد تحققت.
هل استفاد الحكام الروس من الدرس الأمريكي في حرب أيقنوا ألاَّ نصر فيها؟
كان يجب أن يستفيدوا، وهذا قد يغفر لهم تحديد مدة «النزهة» في ثلاثة اشهر أو أربعة. فهذه حرب مسرحها واحد وظروفها واحدة والعدو واحد والجغرافيا واحدة. فلماذا ينجز الروس في ثلاثة أشهر ما أخفق فيه الأمريكيون والتحالف الدولي في قرابة السنة ونصف السنة؟
الأشهر الثلاثة أو الأربعة التي حددها الكرملين لا يبدو أنها ستكون فترة الانتهاء من «داعش»، بل ستكون هي فترة تأكد الروس من تثبيت موطئ قدم سياسي واستراتيجي وعسكري لهم داخل سوريا. ذلك أن سلاح الجو الروسي دخل هذه الحرب بعد أن توقف «داعش» عن التقدم وكسب المزيد من الأرض في سوريا، وبعد ان وفَّق نظام بشار الاسد في الابتعاد مسافة معتبرة، سياسية وعسكرية، عن خطر الانهيار. واقع الحال في وسوريا اليوم أن «داعش» والنظام اقتسماها جغرافية ونفوذا، لا أحد يستطيع القضاء على الآخر، ولا أحد يستطيع تخيّل وجوده من دون الآخر. والأرض التي انهزم فيها الجيش السوري النظامي أمام «داعش» أو هرب منها جنوده لصالح مقاتلي التنظيم، لن يستعيدها نظام الأسد ربما بسهولة، حتى لو دعمته أقوى جيوش الكرة الأرضية. 
إضافة إلى أن «داعش» لم يهدد وجود نظام الحكم في سوريا من البداية. كان هدفه بسط سيطرته على مساحة معينة من الأرض ليحكمها ويجرِّب في سكانها فهمه المجنون للشريعة الإسلامية، فتحقق له ذلك.
إذن، ليس من الخطأ تصديق التحليلات التي تذهب في اتجاه أن الروس أرسلوا طائراتهم الحربية إلى سوريا لأهداف لا صلة مباشرة لها بتنظيم الدولة الإسلامية ومخاطره. بل ذهبوا، متأخرين أكثر من سنة، لمقارعة الولايات المتحدة ودول الغرب التقليدي في منازلة جديدة هي تكملة لأخرى بدأت في أوكرانيا رافقتها عقوبات دولية ومضايقات أتعبت روسيا على الرغم مما يبدو ظاهريا كنجاحات حققتها الأخيرة هناك.
الذهاب إلى سوريا، بالنسبة للروس، يرمي إلى تحقيق أهداف أخرى إلى جانب استكمال منازلة أوكرانيا، أبسطها الحضور العسكري والاستراتيجي بعد فترة قد تطول وقد تقصر، أيًّا كانت نتائج ما يدور في سوريا اليوم.
ذهبوا أيضاً لكي لا تتكرر خيبتهم في ليبيا التي أسعفتهم الأقدار فجعلوا منها، بسبب ما آلت إليه، درسا يشهرونه في وجه العالم: أنظروا ماذا فعلتم بليبيا.. لن نترككم تعيدونه في سوريا!
ما «يشفع» للروس أنهم، ولو متأخرين جداً، يذهبون عسكريًّا إلى سوريا متسلحين بما لم يُتح لأحد أن يتسلح به: ترحيب نظام الحكم السوري، والفشل الأمريكي ـ الغربي الذريع هناك. 
التلكؤ الأمريكي والارتباك وغموض الأهداف كلها عوامل منحت الروس شرعية القول والفعل حتى لو كانت الحرب التي يخوضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش» من نوع الحروب التي لا انتصار فيها.. أقصى ما فيها أن تدمر عدوك لكنك لا تنتصر عليه.
ذهب الروس إلى سوريا وهم عكس الأمريكيين تماما: مركزون والأمريكيون مشتتون. واضحون والأمريكيون غامضون. سريعون والأمريكيون بطيؤون. حازمون والأمريكيون مرتبكون.
سيقول الروس اليوم أو لاحقا: جرّبنا. وإذا عيَّرهم أحد بالفشل، سيردون: لسنا وحدنا، الأمريكيون أيضا فشلوا، ولكلينا تاريخ حافل بالحروب الفاشلة.