رأي: إلى متى الرضا المهين برعاية التعاون المشين؟

خميس, 2015-10-15 11:39
الولي ولد سيدي هيبه

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
منذ الاستقلال و إلى يوم الناس هذا لا تكاد تخلو نشرة إخبارية إذاعية كانت أم مرئية من وصلات إعلامية تشيد جهرا و امتنانا بـ"تلقي و زارة أوجهة" هدية سخية (بضعة أطنان من الحبوب، معدات رياضية، كميات هزيلة من الأدوية، تجهيزات متقادمة، إلخ..) مقدمة من دولة أو منظمة، و قد استلمها وزير القطاع أو الجهة كذا من أيدي سفير أو قائم بأعمال سفارة تلك الدولة أو ذاك الممثل عن تلك المنظمة، دعما سخيا للجهود المتخذة للتخفيف من معاناة المواطنين جراء نقص في الغذاء أو معاناة من أوبئة أو جفاف أو ما شابههما من أسباب الضعف و الهوان العديدة التي يجدون فيها أنفسهم من غير حول أو قوة. أداء إعلامي بطعم "لغة" التسول دخل من أوسع الأبواب و أقذرها في سجل الإعلام حتى باتت مفرداتها جزء منه كثيف الحضور و غالب التكرار و التداول دون تكلف في معجم أكثر "صحفيي" تغطيات فعاليات تسليم هذه الهدايا و حتى بات المصورون يتقنون هم كذلك التقاط كل الزوايا المبرزة لحجم الهدايا و بالعريض لأوجه و أسماء الجهات المانحة. لغة أغرقت بغزارتها و طغيانها فغيبت كل مفردات و أوجه العناصر الإخبارية الأخرى.
و ليس التوقف عند هذه المسألة إلا من باب تسليط الضوء على وجه لافت أو بالأخرى سبب بارز و قوي من أسباب الركود و التخلف عن ركب الأمم التي تحررت من "ربقة" المساعدات و الرعاية و الكفالة المذلة. و إن من هذه الأمم البعض من اعتمدت مبكرا مسلحة بإرادة بالغة التوجه الحثيث إلى الاستثمار بما أوتيت من شحيح الموارد في التحصيل العلمي الرفيع حتى باتت أطرها المرموقة من الخارج، بخبراتها العالية المدفوعة الثمن الباهظ، مصدرا للعملة الصعبة إلى بلدانهم التي لا تمتلك في الأصل خيرات طبيعية تستغلها لتلبية متطالبات البقاء. و لم يطل وقت الغربة عند هؤلاء الخبراء حتى أسسوا على أديم بلدانهم و لرفعتها قواعد اقتصادية صلبة استقدمت و من بعد المادة الخام إليها لتحويلها و تصديرها من أسواقها المنافسة إلى غيرها حول العالم. و في اليابان المثال القديم البالغ  لمثل تلك الإرادة الصلبة و حديثا في دول نمور آسيا الواثبة أمثلة جديدة مثيرة. و في القارة السمراء تتصدر رواندا ـ التي كانت إلى عهد قريب جدا من أفقر دول العالم و قد صل الناتج الوطني الخام للفرد فيها 200 دولار (Rwanda avec un produit national brut (PNB) de 200 dollars par habitant)ـ في هذا الصدد مجموعة دول بدأت تتحسس طريقها إلى الخروج من دائرة التخلف و الفقر و الرعاية المشينة.
و أما البلدان التي تزخر أراضيها بالمقدرات المختلفة فقد اعتمدت "حكاماتها" الرشيدة بمؤازرة، يمليها الواجب الوطني حرصا على البلاد، من تياراتها السياسية الوطنية المختلفة، معارضة و موالية، المتبعة كلها سواء السبيل الوطني، و كذا مجتمعها المدني الخلاق، المتحلي بإرادة التغيير الصلبة، من خلال الإجماع المجرد من الطموحات المنفردة و الأطماع المادية الأنانية، و كذا توجيه استغلال هذه الخيرات و المقدرات بشكل مثالي حتى برزت و تأسست على أرض الواقع قواعد صناعية:
·        تغطي متطلبات تشييد و بناء دعائم و هياكل البلد القادرة على الصمود و البقاء في وجه المطبات التي تعترض عملية التحول المنشود،
·        و تلبي حاجيات المواطنين الشرعية و العدالة من أسباب الهناء و الرخاء و الرقي،
·        و تؤمن قدرة تصديرية للفائض من الخيرات و الإنتاج الصناعي ضمانا لتغذية الخزانة من العملة الصعبة بهدف تأمين البلد من عواقب الاضطرابات الاقتصادية التي تحدث من وقت لآخر في عالم متغير و شديد التنافس.
صحيح أن تحقيق كل ذلك قد ارتبط عند كل هذه البلدان الناجحة ارتباط شديدا بوضع الأسس المكينة لدولة القانون و المواطنة لا غير و من ثم بالتسلح بالعلم و الإقبال على العمل الميداني من خلال تجنيد الطاقات البشرية المعدة تعليما و تكوينا للقادرة على درء الصعوبات ألاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه هذه البلدان في سعيها الحثيث إلى تطوير خطط تنميتها المستدامة.
فهل تدرك لحظة النخب العلمية و السياسية و المدنية، التي تبدو في استسلامها و كأنها تغط في سبات عميق، حقيقة هذا العجز عن الاستغناء عن مساعدة و رعاية العالم لبلادهم الزاخرة بمقومات الاستغناء عن ذلك إن أحسن الاستغلال و أجزل الاستثمار و عدل التوزيع؟
فإن كانت هذه النخب تعي حقا ذلك الواقع الأليم و لا تحرك ساكنا في سبيل تغييره فذاك أمر لا يطمئن على مستقبل البلاد. و إذا لم تكن قد وصلت، بعد مضي ما يناهز العقود الستة من الاستقلال، إلى ذاك المستوى المطلوب من النضج الوطني لتمييز ما يوطد ذاك الاستقلال و منعته، فالمصيبة أدهى و أعظم كما يقول الشاعر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم