مقال: تشخيص الوضع الحالي لزراعة الأرز في البلاد

جمعة, 2015-10-23 15:14
يحي بن بيبه - رئيس رابطة التطوير والتنويع الزراعي

من المتوقع أن يهوي محصول الأرز الموريتاني بشكل حاد، خلال الحملات المقبلة، بسبب ما اعتبر استقالة من القطاع الزراعي قدمتها الحكومة الجديدة، من خلال سلسلة إجراءات متتالية. فهل نحن أمام انقلاب في الاستراتيجية الحكومية، أم خطأ كارثي في تقدير نتائج تلك الإجراءات؟.

ومهما يكن من أمر فإن الإجراء الأخطر، الذي كان بمثابة إلقاء قنبلة هدروجينية على الساحة الزراعية، هو القرار الحكومي المفاجئ بالتوقف عن ضمان شراء محصول الأرز المحلي. فقد بدأ قسم من المزارعين، بعده مباشرة، الإنساحب من الساحة، وعرض ممتلكاتهم الزراعية للبيع أو التأجير، بينما اكتفى آخرون بتقليص المساحة التي يزرعونها معللين أنفسهم باحتمال تراجع الحكومة عن قرارها. أما القسم الثالث، وهو الأكثر، فكان قد تورط في زراعة المساحة التي كان يزرعها عادة، لأن الحكومة أخفت قرارها حتى تأكدت من مضي شهرين على بداية الحملة، وهو ما يعني أن أغلب المزارعين قد تجاوزوا مرحلة البذر، ولن يكون أمامهم إلا إكمال الحملة. وبذا تكون حكومة ابن حدمين قد بدأت تهدم في أسابيع ما شيدته الحكومة السابقة على مدى سنوات عدة.

وبرغم أن التراجع الواضح في إنتاج الأرز المحلي سيبدأ من نهاية هذا الموسم، إلا أن حجم الكارثة التي ستلحق بهذا الإنتاج لن تتضح إلا في المواسم المقبلة، نظرا لتأثير إخفاء الحكومة لقرارها حتى دخول أغلب المزارعين الموسم الحالي.

ولكن، لما ذا يستطيع قرار واحد أن يقلب معطيات الواقع الزراعي بهذا الشكل، ليحوله من قطاع جاذب تتباهى الحكومة، حتى الآن، برفع إنتاجه، إلى قطاع طارد سيصبح محل حرج لها في المواسم المقبلة عندما يتضح حجم الانهيار في الإنتاج؟!.

في آخر مفاوضات اجراها مستشارون من الوزارة الأولى ووزارة الزراعية مع ممثلي النقابات الزراعية ـــ ومنهم كاتب المقال ـــ اتفق الطرفان على تقدير تكلفة إنتاج هكتار من الأرز بنحو 450000 أوقية. وإذا ما عرفنا أن المصادر الرسمية تقدر متوسط إنتاج الهكتار بنحو 5 أطنان من الأرز، فإن الواضح أن الزراعة لن تكون مجدية اقتصاديا ما لم يحصل المزارع على ثمن للطن في حدود 100000 أوقية. ولهذا تضمن الحكومة شراء المحصول بسعر يتراوح ما بين 90000 أوقية، و 103000 أوقية حسب مستوى نسبة التبيض.

ولا يباع المحصول كله عن طريق قناة الشراء الحكومية، لأن التسديد في هذه الحالة لا يتم إلا على أقساط تمتد أكثر من ستة أشهر ( لم تدفع الدولة حتى الآن أية أوقية من ثمن محصول الحملة الماضية برغم مرور خمسة أشهر على بداية حصادها في يونيو). وبذا يضطر الكثير من المزارعين إلى بيع جزء من المحصول في السوق الحرة ذات التسديد الفوري التي تتراجع أسعارها نتيجة زيادة المعروض إلى نحو 60000 أوقية للطن، وذلك للوفاء بالتزامات عاجلة كرواتب العمال ونحوها.

وإذا كانت هذه هي أسعار السوق الحرة، بالرغم من أن نحو ثلثي المحصول تمتصه قناة البيع الرسمية، فماذا ستكون عليه الحال في نهاية الموسم الحالي إذا تكدس المحصول بأكمله في السوق الحرة علما بأن قيمة هذا المحصول المالية تقدر بنحو 12.500.000.000 أوقية، (25000 هكتار مزروعة × 5 أطنان للهكتار × 100000 أوقية للطن)، وأن عمليات الحصاد تنتهي خلال فترة وجيزة لا تتجاوز نحو 6 أسابيع؟، وكم سيخسر المزارع من رأسماله في حملة واحدة؟. وكم من المزراعين الحمقى سيقبلون الدخول في نفق هذه المحنة مرة ثانية؟.

وحتى لو ارتفعت أسعار الأرز المقشر نتيجة ارتفاع مزعوم في أسعار الجمركة، فإن هذا لن يحول دون انهيار مأساوي لأسعار الأرز الخام. ذلك أن ما ينتجه المزارعون ليس أرزا جاهزا للتسويق في الداخل، إنما هو أرز خام يحتاج إلى التقشير على مدى ستة أشهر في ظل الطاقة التصنيعية لمصانع التقشير الحالية في روصو. كما أن المنتجين يحتاجون، في نهاية الحملة، إلى ثمن هذا الأرز، لقضاء ديونهم والتزاماتهم، وللدخول في الحملة التالية.

إن المشكلة ببساطة ، هي حاجة السوق إلى سيولة نقدية تمتص المحصول الخام في وقت تخمة العرض لتمنع انهيار الأسعار، وتعرض الأرز المقشر على مراحل حسب احتياجات السوق المحلية.

وقد جرب المزارعون مثل هذا الانهيار، الذي أدى إلى هجرات واسعة من القطاع سنتي 2005 و 2006. كما جربوه سنة 2009 حيث بلغ إنتاج الأرز الموريتاني أدنى مستوياته.

فكيف تخفى هذه المعطيات على الوزارة الأولى؟! أم هو انقلاب إستراتيجي واع؟!.

المداول بين نخبة من المزارعين أن الأمر يعود إلى انعدام الخبرة في القطاع، لدى المكلفين به في الوزارة الأولى، وأن الوزير الأول حظي باستشارة كارثية لم تستطع وزارة الزراعة إقناعه بمخاطرها الكبيرة. وهذا ما يفسر كون الوزير الأول، لا وزير الزراعة، هو من تولى إعلان تنصل الحكومة من الالتزام بشراء المحصول.

وقد سبق هذا الإجراء قرار آخر بتخفيض الدعم على الأسمدة للخصوصيين بنسبة الثلث، بالإضافة إلى إلغاء منح الأسمدة مجانا للتعاونيات الزراعية الضعيفة.

فهل يدخل المزارعون مرحلة حروب الردة مع الوزارة الأولى؟