متى يقيل السيسي هذه الحكومة المرتبكة الفاشلة؟

جمعة, 2014-11-07 00:36
خالد الشامي

فاجعة جديدة، استيقظ عليها المصريون امس الاول. مشاهد تراجيدية يصعب وصفها لتفحم 18 مواطنا، اغلبهم طلاب في عمر الزهور، نتيجة لحلقة جديدة في مسلسل لا يتوقف من المجازر الحقيقية، اسمه حوادث الطرق.
وقبل ان تنطفئ النيران التي اشتعلت في قلوب اهالي الضحايا، بعد ان التهمت اتوبيس الطلاب بمن فيه، بدا النظام حريصا على التبرؤ من المسؤولية عن هذه الكارثة الجديدة، حتى قبل ان يبدأ التحقيق الجنائي في أسبابها. وهكذا خرج محافظ البحيرة في وسائل الاعلام مبررا الحادث بـ»سقوط الامطار»، وكأنه يلقي بالمسؤولية على السماء او الارادة الإلهية في حرق الطلاب.
اما شيخ الازهر فسارع بالتأكيد على ان الضحايا «شهداء»، فيما توجه رئيس الوزراء الى موقع الحادث، للتصوير مع الناجين من الحادث، والاعلان عن تعويضات، في محاولة للاستحواذ على المشهد الاعلامي، الذي كان يجب ان ينشغل بمسؤولية حكومته السياسية، بل والجنائية المتمثلة في استمرار هذه المنظومة الدموية من الاهمال والفساد والتقصير، التي تقتل اثني عشر الف مواطن سنويا، وتجعل مصر تحتل موقع الصدارة عالميا، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية في حوادث الطرق.
اما بعض وسائل الاعلام فسارعت بدورها الى المساهمة في «مهرجان التدليس» على الشعب المصري، بتحميل المسؤولية لـ»العنصر البشري»، وبالتالي تبرئة الحكومة، وكأن «العنصر البشري» يعيش في غابة او مفازة، وليس داخل دولة يفترض ان تفرض على الجميع قوانيها التي تضمن سلامة النقل والطرق. 
ومن الانصاف ان تعقد المقارنة بين تعامل وسائل الاعلام مع هذه الفاجعة، وتعاملها مع فواجع مشابهة قبل عامين في عهد الإخوان، عندما طالب بعضها باستقالة الرئيس المعزول ورئيس وزرائه اثر حادث اسيوط. الواقع ان احدا لم يجرؤ هذه المرة على المطالبة باقالة حتى وزير النقل، وهو ما يمثل عارا على الاعلام المصري، قبل ان يكون عارا على اولئك المحسوبين ظلما وبهتانا على مهنة الاعلام.
اما الاكثر اثارة للاشمئزاز، فكان سعي بعض الفضائيات الى تملق رئيس الجمهورية والجيش، عبر التركيز على تصريحات لبعض الناجين، أشادت بسرعة وصول طائرة عسكرية لنقل المصابين الى الاسكندرية بناء على أوامر من الرئيس. لم يفكر هؤلاء في مشاعر اهالي الطلاب الذين تفحموا ولم يجدوا حتى جثة يمكنهم التعرف عليها او وداعها او دفنها. لم يجدوا في انتظارهم سوى حفنة من الجنيهات، في تذكرة جديدة للمصريين بـ»قيمتهم الحقيقية» في نظر هذه الحكومة المرتبكة الفاشلة.
الواقع كما اثبتته تحقيقات النيابة ان السرعة الزائدة، وليس الامطار او الخطأ البشري، هي التي افقدت السائق السيطرة على الباص، وهو ما اكدته شهادات الطلاب الناجين، الذين قالوا انه كان يحاول توصيلهم للمدرسة في الموعد بعد ان بدأ الرحلة متأخرا بنحو ساعة من دمنهور الى الاسكندرية.
السرعة الزائدة التي تحولت الى «ثقافة ارهابية داعشية» تحكم الطرقات، وتلون الاسفلت بالاحمر، وتنشر الموت في انحاء مصر، في غياب كامل من الدولة، بل وتواطؤ منها عبر آليات الفساد التي تمكن اي شخص تسحب رخصة قيادته بسبب السرعة من استردادها خلال ساعات بعد «دفع المعلوم» لفرد الشرطة.
وحسب النص الحرفي لتصريحات رئيس هيئة الطرق المصرية لـ»القدسالعربي» في اعقاب حادث سوهاج، فان «معظم سائقي النقل الجماعي بمختلف انواعها وايضاً سائقي النقل الثقيل غير ملتزمين بقواعد المرور، ومعظمهم غير حائز رخصة قيادة، بخلاف تعاطيهم للمواد المخدرة التي تثبتها كل يوم حملات وزارة الداخلية على الطرق التي تعد اخطر اسباب تكرار حوادث سير المركبات، ومن الضروري التصدي لاسباب حوادث سير المركبات من خلال تكامل المنظومة المعنية».
وتمثل هذه التصريحات ادانة رسمية للحكومة العاجزة عن تطبيق القانون، والمنشغلة بتحسين صورتها، وليس العمل على الارض لحماية ارواح مواطنيها، التي هي الواجب الاساسي لاي نظام حكم.
انه لعمل اجرامي، ان تترك حكومة الناس ضحايا لاولئك المجرمين الذي ينشرون الموت، ناهيك عن المسؤولية السياسية التي يجب ان يتحملها النظام بالكامل، من رئيس الجمهورية الى رئيس الوزراء وكافة الوزراء المختصين بسلامة الطرق والمركبات والنقل.
واذا لم تستطع الحكومة البدء فورا في تطبيق خطة محددة لاصلاح «المنظومة المعنية بمواجهة حوادث الطرق» التي تقتل المصريين يوميا، فعلى رئيس الجمهورية ان يقيلها بدون تأخير.
ما يريده المصريون حكومة لا تعتبر ان وظيفتها ان «تتفسح» في ارجاء البلاد سعيا وراء الظهور في وسائل الاعلام، بل ان تلتزم بتقديم حلول علمية وعملية للمشاكل والازمات التي تعصف بالبلاد. ما يريده المصريون نظاما لا يعتبر ان نجاحه مرتهن بصورته في وسائل الاعلام، بل ببرنامج حكم ذي مصداقية، وجهاز تنفيذي قادر على تطبيقه. ما يريده المصريون، مع استمرار معاناتهم الامنية والاجتماعية والاقتصادية والمستمرة منذ عقود ، ليس «الرومانسية» او التصريحات العاطفية، او الاغاني الوطنية لتلميع شخصيات او مشاريع، بل نتائج واقعية. 
لم يعد مقبولا ان تستمر الاوضاع والاخطاء والخطايا والكوارث «على قديمه»، كما يقولون، بعد ثورتين واطاحة ثلاثة انظمة، وسجن رئيسين، وسقوط الالاف بين شهداء ومصابين من اجل التغيير.
فمتى يقيل السيسي هذه الحكومة المرتبكة الفاشلة؟