العقل “النخبوي” اغتيل منذ زمن!

جمعة, 2018-06-22 10:59
محمد حمادي

إذا كانت النخبة هي التي تقود قاطرة النهضة والتنمية في بلدان الغرب، وهي العقل الذي تفكر به المجتمعات الراقية، عبر تسيّدها المشهد في كل الميادين، وانخراطها في مجمل النقاشات العامة حول القضايا التي تشكل الصالح العام، فإنّ حالها في بلادنا على النقيض من ذلك تماما؛ فهي منزوية ومنطوية على نفسها، ومستقيلة من دورها في التخطيط لمستقبل البلاد، وخلق الوعي بين ساكنته.

 

بالرغم من التصورات التي تحملها النخبة في الجزائر، وما تتمتع به من فهم عميق للواقع الذي تعيش فيه، إلا أنها لا تشارك في إيجاد الحلول لكافة الآفات التي تنخر المجتمع، وهي غائبة للأسف عن المشاركة في صناعة القرارات المصيرية. البعض يقول: “إنّ هناك تجنيا مع سبق الإصرار والترصد في حق النخبة الوطنية، التي تعاني الإقصاء والتهميش من طرف السلطة”، في حين يرميها البعض الآخر بسهام النقد، ويستظهر محطات مهمة كانت النخبة خارج مجال التغطية فيها. فهل فعلا صفوة المجتمع المشتغلون بالثقافة والعلم، مغيّبون أم غيَّبوا أنفسهم؟ لماذا لا نجد لهم أثرا في النقاشات العامة؟

 

النخبة في بلادنا إما محاصَرة من السلطة، أو إنها هي من فرضت على نفسها الحصار بانطوائها وتبنيها شعار: “تخطي راسي وتفوت”، لكن إلى متى نبقى نغرس رؤوسنا في الرمال، حتى تمر العاصفة بسلام؟ ما فائدة المعارف النظرية والتطبيقية التي تكتنزها الصفوة؟ أين محلها من إعراب المآسي والأزمات التي تنخر مفاصل الأمة؟

 

جرائم القتل المروِّعة التي وقعت في شهر التوبة والغفران، حتى طرقت أبواب الجامعة؛ فاغتيل بالباطل الأستاذ الذي علَّم طلبته الحق، ومظاهر الغش التي طالت الامتحانات في جميع أطوار التعليم، لو حدثت في بلاد الغرب لوجدت النخبة المثقفة قد استنفرت قواعدها، وسارعت إلى عقد جلسات وملتقيات علمية، لمناقشة هذه الظواهر الخطيرة، وخرجت بتصورات وحلول.

 

الحقيقة هي أنّ الكل في هذا البلد، يعيش لنفسه ولعائلته، ما ولّد حالة من اللامسؤولية تجاه الوطن؛ فالنخبة بغيابها تركت في مناسبات عدّة المجال للغوغاء، الذين ركبُوا الموجة وأضحوا يحلّلون ويناقشون قضايا الأمة ويحاكمون حتى النوايا، حيث تحوَّل “الإنسان الرقمي” الذي يُحسن التعامل مع تكنولوجيا الإنترنت، إلى فاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشر الأخبار ويبث الصور والفيديوهات ويبدي آراءه حول مسائل جوهرية، تهمُّ الوطن والمواطن، في ظل اختفاء العقل النخبوي، الذي اغتال نفسه منذ زمن!

 

النُّخبة في بلادنا أضحت مُطالبة أكثر من أيّ وقتٍ مضى بالخروج من هذه القوقعة سواء فُرضت عليها أم فرضتها على نفسها، وأن تكون في الطليعة، وتنخرط في كل المسائل الحياتية، بالدراسة والتحليل والتخطيط والاستشراف، لا أن تترك المجال للعابثين والمصطادين في المياه العكرة. كما عليها أيضا الفكاك من المنزع النرجسي وعقدة التعالي، التي تجعل من العالِم حبيس برجه العالي، ويرفض أن يتزحزح منه، ليُحاكي واقعه.

 

وباختصار، نحن في حاجة إلى نخبة واعية متشبِّعة بقيم الوطنية، تقول الحق ولو كان مرّا، وتقف سدّا منيعا أمام كل محاولات التمييع التي تطال القيم الأخلاقية والإنسانية في هذا الوطن الذي ابتلي بعديد الأمراض.