هل استهداف المثلية هو المسمار الأخير في نعش الوطن؟

نادية عصام حرحش

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي منذ الامس بين استياء وتأييد لبيان أصدره المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية يدعو فيها بمنع أمسية تنظمها مؤسسة ترعى شؤون المثليين في فلسطين، وطلب من الجمهور التبليغ عنهم ورصدهم، وأشار بلاغه الى بعد هكذا تجمعات عن الثقافة والدين واللحمة الفلسطينية (وهنا سنجد طبعا لحمة بين شق السلطة الاخر من الوطن الذي سيشيد بهكذا بيان). جاء نص البيان كما يلي:  الشرطة ستمنع اي نشاط لتجمع “قوس” للمثليين.
رام الله _ اكدت الشرطة وعلى لسان الناطق باسمها العقيد لؤي ارزيقات بانها ستمنع اي نشاط لتجمع المثليين الجنسيين المسمى “قوس” مؤكدة في نفس الوقت بعدم علمها بإقامة اي مؤتمر لهذا التجمع في الايام الماضية بمدينة نابلس تحت عنوان ” هوامش…بين ارزيقات بان مثل هذه النشاطات تعتبر ضرب ومساس في المثل والقيم العليا للمجتمع الفلسطيني الذي حافظ عليها على مر التاريخ وهي تصرفات لا تمت للأديان السماوية ولا للعادات والتقاليد الفلسطينية وخاصة في مدينة نابلس التي تتميز بعاداتها وتقاليدها وتاريخها العريق وارتباطاتها العائلية . مؤكدا ان هناك جهات مشبوهة تحاول خلق الفتنة والمساس بالسلم الاهلي للمجتمع الفلسطيني. موضحا ان الشرطة لن تسمح بنزع الثقة بين المواطنين وأنها ستعمل على ملاحقة القائمين على هذا التجمع وسيقدمون الى الجهات القضائية حال القاء القبض عليهم.
داعيا المواطنين للتواصل مع الشرطة والابلاغ عن اي شخص له علاقة بهذا التجمع مع ضمان سرية المعلومات التي سيقدمها للشرطة.”

مرة اخري نجد أنفسنا امام تعبئة شعبية من قبل صناع القرار الفلسطيني في شقه الفتحاوي عن طريق استخدام الدين. فقبل أسابيع، أصدر خطيب المسجد الأقصى فتوى بتحريم ذهاب الزوجة للشكوى على زوجها لدى الشرطة الإسرائيلية.

بدء يجب توضيح سبب مأساوية فتوى شيخ القدس. فالقدس تخضع بالكامل للقانون الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية هي الوحيدة المخولة للتصرف لحل النزاعات. الشيخ نفسه يأخذ تصريح خطبته او رفضها من الشرطة الإسرائيلية (او بالأحرى للشرطة الإسرائيلية الحق بمنعه عن الخطبة ودخول المسجد الأقصى وتغريمه وهذه الشرطة نفسها هي التي يدفع مقابل عدم التعرض له اجرة الموقف والارنونا والضرائب وإذا ما لم يدفع فاتورة التلفون او الكهرباء او نفقة الأبناء هي المخولة بتفعيل الإجراءات القضائية ضده)، أي انه عند اقتراف جريمة، فان الشرطة الإسرائيلية هي المخول بالتحري والتدخل. وعند تعرض امرأة للضرب او التهديد او القتل، فان الشرطة هي صاحب الاختصاص المباشر للتدخل. وعليه، فإن الزوجة المشتكية لا تختار الذهاب الى الشرطة الإسرائيلية، فلا مكان اخر للشكوى الا الشرطة الإسرائيلية في حالة المرأة التي تعيش بالقدس.

على الرغم من ان موضوع المقال ليس متعلقا بالمرأة ولا حقوقها، يجب التنويه كذلك، ان المرأة التي تذهب للشكوى للشرطة، سواء كانت بالقدس او رام الله او عمان او السلط او لوس أنجلوس او باريس، هي امرأة بمعظم الأحيان أجبرت على هذا. وفي سياق مجتمعاتنا العربية، قد تكون امرأة وصلت الى لحظة حاسمة بين حياتها وبين مماتها، فطلبت النجدة من الشرطة.

ولن أدعي ان الشرطة الإسرائيلية (على العكس قد يكون ادعائي ان الشرطة الإسرائيلية تتصرف وبمنهجية متفق عليها مع قضايا الانسان الفلسطيني بتقاعس واهمال وعنصرية) توفر حماية أكثر من غيرها بدول العالم وبنظيرتها الفلسطينية، لأن الجرائم المرتكبة بحق النساء سببها تقاعس الشرطة بأخذ تهديدات العنف الاسري على محمل الجد.

هنا، كان على المفتي، ان يحرم ضرب الرجل للمرأة، لكيلا يترك مجالا لها بالذهاب الى الشرطة الإسرائيلية. وإذا ما كان تحريم ضرب المرأة بالنسبة للمتمسكين بحجج الدين منافي للشرع الذي يستمد قوته من الآيات القرآنية، فهنا نقع في وضعية “الضرورة تبيح المحظور”.

ولكن، لأننا مجتمع ذكوري، يستخدم الدين ويسخره لتعزيز جبروته وتحكمه بالمرأة، كان من الطبيعي ان تلقى هكذا فتوى استحسانا لدى الكثير من الرجال، واستياء وتكفيرا لمن اعترض عليها.

هنا نقع في شرك تسييس الدين الذي يؤدي الى انهيار حقيقي في نسيج المجتمع الذي يعاني أصلا من التهالك، في وضع ينخر بنا الاحتلال من كل الاتجاهات.

قبل أسابيع كذلك، وفي سياق عنوان هذا المقال، لقي منع فرقة مشروع ليلى الفنية استياء وترحيبا على نفس المستوى من تسييس الدين. في وقت يعاني فيه المجتمع اللبناني من خطر يهدد امنه بسبب الطائفية وتسليط حمية التفرقة ضد اللاجئين الفلسطينيين تحديدا، كان استخدام مشروع ليلى كذريعة لإشعال اخر في نار التفرقة العنصرية. وكأنه لا يكفي ان تكره في لبنان من اجل جنسيتك او دينك او طائفتك، هناك حاجة لأن تكره بسبب هويتك الجنسية.

بيان قائد الشرطة الفلسطينية، لا يختلف عن دعوة رئيس الطائفة الدينية المسيحية بلبنان، دعوة صريحة للعنصرية ولتهديد من هو مختلف عن الجموع المطلوبة.

وهنا تكمن المصيبة في تدخل الشرطة وكأنها مفتي. وهذا ما يدخلنا في نهج تديين السياسة.

السؤال الذي يطرح نفسه أولا، هل انتهت القضايا بفلسطين وتوقفت عند قضية أمسية ستقوم بها مؤسسة ترعى حقوق المثليين مرخصة من قبل السلطة الفلسطينية؟

كان من الأهم لو تدخل متحدث الشرطة عندما تقدمت عائلة فتاة للشرطة بقضية تحرش طبيب، قبل ان يتحول الموضوع الى قضية رأي عام، خسر فيها الطبيب رجليه، وخسر المرضى ربما حياتهم عند قرار نقابة الأطباء بالإضراب.

كان من الأهم كذلك، لو سمعنا بيانا لمتحدث الشرطة عن قضية المخدرات التي ضبطت اجهزته فيها ابن مسؤول كبير؟

كان من الأهم كذلك ان نسمع عن بيان وموقف او توضيح عن تحقيقات بقضية تسريب العقارات؟

اين متحدث الشرطة من مؤتمرات التطبيع التي تجري بالسلطة على الرغم من القرارات الرسمية المعلنة بوقف الاتفاقيات مع إسرائيل؟

اين متحدث الشرطة من الحفل الذي ستقيمه السفارة الامريكية برام الله على الرغم من اعلان السلطة بوقف التعامل مع أمريكا ووقف المشاريع والاستياء والرفض الشعبي لنقل السفارة الى القدس؟

أين متحدث الشرطة من القضايا المهمة للشعب، في نزاعات واقتتال يومي، فيما يشبه حرب شوارع قادمة بداخل المجتمع الفلسطيني، في التعدي على المساحات العامة والضوضاء والمفرقعات واغلاق الشوارع للمناسبات؟ ام قضية المثليين هي القضية التي ستحرر بها الشعب إذا ما فتحنا نار الكراهية عليهم؟

هل يحتاج الشعب الى كراهية بين أبنائه أكثر؟ الا يكفينا اننا انقسمنا بين فتح وحماس، بين رام الله وغزة، بين القدس والخليل، بين مسلم ومسيحي، بين متدين وعلماني، بين محجب وسافر، بين شبيبة فتح وشبيبة دحلان، بين مسلم عادي وتحريري وداعشي، بين مدني وقروي، بين فلاح وبدوي، بين ابن قبيلة وابن قبيلة، بين ابن طائفة وابن طائفة؟

هل بقي المثليين ليوحدوا انقساما جديدا بين أبناء الوطن شعاره الكراهية والقتل والحرق؟

متى سنصل الي مرحلة نفهم فيها، ان اختلافنا لا يعني اخلالنا بقواعد الوطن العام من مبادئ وقيم واخلاق.

الاخلاق هي تلك التي تتقبل الاخر وتحتويه مهما اختلفنا عنه.

والوطن هو ان يكون مكانا للجميع فيه. بكل اختلافاته، وبكل الوانه واطيافه.

 والمثلي هو مواطن، لا يقل وطنية ولا دينا ولا إنسانية.

المثلي جزء من تركيبة المجتمعات في كل مكان، ولا يختلف الامر عن المجتمع الفلسطيني. المثلي قد يكون اخا، او أبا، ابنا، او جارا، او عما، اخالا، ابن عم، او ابن عمة، ابن خال او خالة. المثلي قد يكون بقالا، او صاحب طعم او عامل. المثلي قد يكون أستاذا، او طبيبا، او مهندسا، او وزيرا.

المجتمع الفلسطيني تتواجد فيه المثلية بكل طبقاته، سواء اعترفنا بذلك او أنكرنا.

المثلي قد يكون ثائرا، ومعتقلا، وشهيدا.

متى ستوحدنا فلسطينيتنا بوطن نحارب من اجل تحرره، إذا ما كان هذا الوطن لا يتسع للمثلي ولا للمرأة ولا لصاحب الدين او الفرقة او الطائفة الأخرى.

ان نتقبل المثليين لا يعني ان نفتح الباب على مصراعيه لتحول الرجال والنساء للمثلية. فهم أناس قرروا او اختاروا طريقهم كما اختار او قرر باقي افراد المجتمع طرقهم.

ان نتقبل المثليين يعني ان نوسع افاقنا لاختلافاتنا لنرقى بديننا ودنيانا.

ولعل بالقرآن الكريم عظة لنا. سأختم بسورة الانسان، لعل الانسان منا يتفكر:

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)

رأي اليوم

ثلاثاء, 20/08/2019 - 14:06