الأمن في الساحل

العقيد متقاعد انجاي ندياوار

منذ عدة أشهر أو حتى سنوات وعدد ضحايا "الإرهاب" من القتلى والجرحى في تزايد. وذلك رغم مشاركة قوات ضخمة في محاربة هذه "القوى الإرهابية" دون أن تتمكن من القضاء عليها. قوّة برخان وقوة مجموعة الخمسة للساحل وقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي العديد من القوى المتنوعة والمعقدة ونتائج متواضعة. تعتمد هذه القوى على استراتيجيات مدروسة فلماذا تصل إلى هذه النتائج غير الحاسمة؟ 
لن أسمح لنفسي بأن أحكم على الإستراتيجية العسكرية لقوة الساحل وقوّة برخان لأنها ببساطة ثمرة تفكير وتصميم شخصيات سياسية وعسكرية بارزة، لكنني سألقى نظرة على نتائجها التي هي دون التوقعات في ضوء القوى الفاعلة والوسائل المجنّدة. الإستراتيجية هي فن تنسيق عمل القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية المشاركة في إدارة الحرب أو الإعداد للدفاع عن أمة. تتأثر بالقيود الاقتصادية والسياسية، فهي بحكم تعريفها نتيجة الانعكاسات الكلية مع مراعاة العديد من المعايير أولها السياق، والثاني الهدف والثالث القوى المعنية. بالتأكيد تم أخذ كل هذه الجوانب في الاعتبار. قد تكمن العيوب أو أوجه القصور في التنفيذ لهذه الاستراتيجية.
دعونا نلقى نظرة لاكتشاف جوانب هذه الحرب غير المتكافئة التي تتدخل فيها قوى دولية وعناصر "الظلاميين" من جنسيات متعددة. 
منذ العقد الماضي عانى الشريط الساحلي الصحراوي من عدة هجمات صغيرة أثرت على موريتانيا ومالي، مما تسبب في بعض الأحيان في وفيات وإصابات، كما أثار الخوف والفزع في هذه البلدان غير المعتادة على هذا الشكل من أشكال الحرب.
فيما يتعلق بموريتانيا ، فقد أعدت استراتيجية جديدة بدأت بإعادة بناء الجيش؛ من خلال تجهيزه وتدريبه بمساعدة عدد قليل من الشركاء (فرنسا والولايات المتحدة). كان التدريب وفقًا لأنماط العمل التي تجمع بين التنقل والخفة والمرونة والاستجابة والقوة النارية والدعم الجوي. وقد حقق هذا ثماره منذ ذلك الحين. كما كانت إعادة تنظيم أجهزة الاستخبارات ميزة حاسمة في البحث عن المعلومات وجمعها وتحليلها بشريا وإلكترونيا.
لكن بالعودة إلى مالي، البلد الأكثر تضرراً من هذه "الهجمات الإرهابية"، والتي تعد جزءًا من الخاصرة الرخوة لبلدان الساحل مع بوركينافاسو والنيجر فإننا نخاطر بانهيار هذا البلد الكبير. هذا البلد المقسّم بحكم الأمر الواقع، فهناك في غاو وفي تمبكتو وفي كيدال أعلنت الحركة الوطنية من أجل الديمقراطية عن تقرير المصير وحتى عن استقلالها. ولو لم تنجح عملية سرفال الفرنسية عام 2013 في إيقاف التقدم "الإرهابي" لكانت مالي مختلفة اليوم. كان السياق مختلفًا ، فالقوات "الجهادية" الأقل تسليحًا وخبرة، لم يتمكن الجيش المالي الذي كان في حالة فوضى عارمة أن يواجهها. كما يجب أن يضاف إلى ذلك انهيار التماسك الاجتماعي في أعقاب النزاعات بين المجتمعات التي زادت من إضعاف الوضع الأمني المتدهور بشدة.
كان لبوركينافاسو جيش منظم ومسيّس بدرجة عالية. عندما اختفى توماس سانكارا تم تكريس الجهود لإنشاء وتعزيز وحدة خاصة من المظليين غذت الغيرة داخل الوحدات المشكلة الأخرى للجيش. وبعد سقوط بليز كومباوري دمرت القوى السياسية ما تبقى من هذه الوحدة النخبوية دون الانخراط في إنشاء جيش جمهوري. هذا الجيش الذي خضع للتسريح لم يكن لديه القدرة على مواجهة هذ "الطفرة الإرهابية والإجرامية". إنه يكاد ينهار. يوجد في النيجر جيش جيد قيد الإنشاء لكنه يواجه مشكلة نقص المعدات في منطقة كبيرة جدًا. إنه جيش مسيّس للغاية لأنه اضطر إلى احتلال مقدمة المشهد السياسي لعقود. كما أن القاعدة الجوية الفرنسية تثير اهتمام "الإرهابيين" وعناصر بوكو حرام.
إن قوة برخان التي يجب الإشادة بالتزامها وتضحياتها لا يمكنها في حد ذاتها القضاء على آفة "الإرهاب". لدى هذه القوة المعدات اللازمة والرجال المصممون لكنهم يعملون في ظروف غير عادية لأن الصحراء ليست مسرح عملياتهم المميز وبالتالي تشكل عائقًا أمامهم حتى لو لم يعترفوا بذلك. الطائرات بدون طيار المسلحة التي تم تقديمها للتو سيكون لها تأثير نسبي لأن القوات الإرهابية تعمل في مسرح يعرفونه جيدًا. إنهم يستفيدون حاليًا من مساهمة "الجهاديين" القادمين من ليبيا والمغرب العربي ومن آسيا ذوي الخبرة كما أن يحصلون على الأسلحة من ليبيا. وكانوا قادرين على جذب تواطؤ السكان المحليين عن طريق المساعدات الاجتماعية الناتجة عن عمليات التهريب بكافة أشكاله.
قد تقلل القوات الخاصة الأوروبية التي سيتم نشرها بالتأكيد من العبء الثقيل للقتلى والجرحى في هذه الحرب غير التقليدية غير المتكافئة لكنها لن تقضي عليها.
تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي منذ 6 سنوات من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمهام تتمثل في دعم جهود تحقيق الاستقرار في البلاد وحماية المدنيين واستعادة سلطة الدولة على جميع الأراضي المالية. فمع وجود قوة عاملة تزيد عن 14 ألف جندي فإنها تعد قوة مكلفة وفاشلة. فهي بعيدة عن تحقيق أي من مهامها العديدة. فلم تتم استعادة سلطة الدولة المالية على جميع الأراضي الوطنية وهي تنشط فقط في الجنوب وبشكل خاص في باماكو. كما لم تحم المدنيين في ضوء مذابح الفولان والفظائع ضد الطوارق. أما بالنسبة لدعم جهود تحقيق الاستقرار فإن مالي تعيش في حالة من الخراب الصارخ وانعدام الأمن.
في منتدى داكار حول السلام والأمن نادى رئيسا موريتانيا والسنغال بحماس وعاطفة بجعل التعددية حقيقة موضوعية في إدارة هذا الصراع الذي يؤثر على السلام وأمن الساحل. فقد طالبوا بولاية قوية وتجهيزات كافية وقواعد اشتباك متكيّفة لوضع حد لهذه الحرب "الإرهابية". لكن هذا يبدو وكأنه مجرد أمنيات عندما نشير إلى بيان السيدة بنتو كيتا وكيلة الأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، التي قالت: "إن المعركة ضد الإرهاب هي معركة يجب أن تخوضها الجيوش الوطنية وهي ليست جزءًا من مهام الأمم المتحدة. يمكن تكييف الولايات القوية بالفعل لبعثات حفظ السلام لكنها مستقلة عن مكافحة الإرهاب".
بالنظر إلى ما سبق لا أرى أنه ينبغي مراجعة الاستراتيجية المعتمدة لهذه القضية الأمنية في الساحل ولكن هناك تعديلات سياسية واقتصادية وعسكرية ضرورية ويجب أن تتم بسرعة. 
على المستوى السياسي: لأن هذه ليست حرب دول الساحل بل تتجاوز المنطقة وتمتد إلى بقية أفريقيا وإلى العالم الغربي. 
واقتصاديا: تضامن البلدان الغنية بشكل أكبر هو أمر ضروري في الحال لدعم هذا المجهود الحربي الذي لا تستطيع البلدان الإفريقية وحدها أن تواجهه.
وعسكريا: إلى جانب المعدات الضرورية والحيوية التي تحتاج إليها الجيوش الأفريقية من الضروري دعم هذا الجهد الحربي من خلال اكتتاب وتدريب القوات بناء على مخططات تكتيكية تجمع بين الحركية والخفة والقوة النارية والمعلومات الاستباقية.
أخيرًا ، من الضروري دمج بعض جيوش الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مثل تلك الموجودة في السنغال ونيجيريا حتى يتأقلموا للقتال في المنطقة الصحراوية لأنهم جيوش ممتازة مهيكلة ومتمرسة وذات خبرة. 
هذه الحرب ستربح عسكريا أو تخسر. أما التخلف والهشاشة والفقر وتردى التعليم والعجز في القطاع الصحي فيمكن أن يكون سبب الحرب أو نتيجة لها. يجب أن نؤمن ونستقر قبل أن نلتفت لتحقيق التنمية لكن يجب أن نفعل ذلك بسرعة لأن الوقت ينفد. 
كما يجب أن تحصل القوة المشتركة لمجموعة الساحل الخمسة على الدعم المالي اللازم والكافي حتى تتمكن أخيرًا من النزول إلى الميدان لمحاولة كسب هذه الحرب التي استمرت لفترة طويلة. 
يجب أن تتفاعل قوّة برخان والقوات الخاصة الأوروبية القادمة وتنسّق مع الجيوش الإفريقية لمجموعة الخمسة وتلك التي ربما تأتي من بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الأخرى، من أجل الاستفادة من قدراتها المختلفة، وأهمها هي المعلومات الاستخباراتية التي يجب مشاركتها، وتوفير الدعم الجوي وتحييد الأهداف المحددة بالفعل.

العقيد متقاعد انجاي جاورا، استشاري في الشؤون الاستراتيجية والتفاوض.

ترجمة الصحراء

لمطالعة الأصل اضغط هنا

أحد, 12/01/2020 - 11:27