منتدى دافوس.. وخطر الاستخفاف بالمناخ

إيشان ثارور

انصب كل الاهتمام، قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، على تغير المناخ. وفي اليوم الأول، أعلن منظمو المنتدى قائمة أولويات طموح يشارك فيها تجمع واسع من البنوك والشركات والزعماء المدنيين، لجعل منتدى هذا العام «نقطة تحول» للتصدي لتغير المناخ عالمياً.
وفي الساعة التي سبقت كلمة الرئيس دونالد ترامب، حث مبعوث من البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية أصحاب المليارات المتجمعين في المنتدى والمديرين التنفيذيين للشركات والسياسيين والشخصيات الشهيرة، على استيعاب «مسؤوليتهم الأخلاقية» في حماية أجيال المستقبل. واعتلت سيمونيتا سوماروجا رئيس الاتحاد الكونفدرالي السويسري، المنصة وحذرت من «عالم يحترق». وأخبرت الحشد الذي تضمن شخصيات مثل نائب الرئيس السابق آل جور، وأورسولا فون دير ليين رئيسة المفوضية الأوروبية، أننا «في حاجة إلى سياسيين يتخذون إجراءات في بلادهم وعلى مستوى العالم، لضمان تحقيق التوازن البيئي ووقف ارتفاع حرارة الكوكب».
وفي أول كلمتين ألقيتا يوم الثلاثاء، وبّخت «جريتا تونبيرج» الناشطة المناخية السويدية التي مازالت في سن المراهقة، مرة أخرى، الزعماء السياسيين ونخب الإعلام واتهمتهم بأنهم لا يوضحون تماماً نطاق الكارثة التي نواجهها. وقالت إن هذا الكارثة «لن نستطيع حلها ما لم نعاملها كأزمة حقيقية». والكلمة الثانية كانت لترامب. واستغل ترامب خطبته ليحتفي بانتعاش الاقتصاد الأميركي في ظل رئاسته. وألقى الرئيس الأميركي كلمة استمرت 30 دقيقة، بدت كما لو أنها خطاب انتخابي، وإن خلا من الفحوى الغوغائي المعادي للأجانب المألوف في خطب ترامب، أعلن الرئيس الأميركي «أميركا تنتعش وتكسب مرة أخرى، كما لم تفعل من قبل».
وأشاد ترامب بالنجاح المفترض لقائمة أولوياته «المؤيدة للعمال والمواطن والأسرة» وبجهوده في تقليص اللوائح. وطالب نظراءه في دافوس بأن «يحرروا مواطنيهم من الثقل الساحق للبيروقراطية». لكن ماذا عن المناخ؟ لم يهاجم ترامب مباشرة المنتدى، أو أياً من نشطاء المناخ الحاضرين. لكن احتقاره الكامن في رسالته كان لا لبس فيه. فهو يرى أنه «يتعين علينا رفض المتنبئين دوماً بنهاية العالم ونبوءاتهم التشاؤمية»، وأن المروجين لحملات حماية المناخ هم «ورثة قارئي الطالع الحمقي في الماضي». وأخبر الشركاء الأوروبيين بأنهم يجب عليهم التفكير في شراء الطاقة الأميركية.
لقد كان موقف ترامب واضحاً. فالرجل الذي لا يتوقف عن التحريض ضد المهاجرين يؤكد الآن أن «الخوف والشك لا يمثلان عملية تفكير جيدة». وصور نفسه باعتباره عاملاً من عوامل «التفاؤل». وكثيرون في دافوس في لم يروا بأساً في كلمة ترامب. فقد رأى مدير تنفيذي لشركة أوروبية في مقابلة مع «واشنطن بوست» أن خطبة ترامب «ممتعة. إنه يروقني». واشترط المدير عدم الكشف عن هويته لأن شركته لا تخول له الحديث علناً في السياسة. وأضاف المدير أن معظم نظرائه الأميركيين المجتمعين في دافوس يفضلون إعادة انتخاب ترامب على انتخاب «يساريين متشددين» مثل السيناتورة إليزابيث وارين أو السيناتور «بيرني ساندرز» اللذين يريدان إلغاء التقليص السخي في الضرائب الذي منحه ترامب لفاحشي الثراء.
وصرح «توني فراتو» الشريك والمدير المنتدب لشركة «هاملتون بليس ستراتيجي» الاستشارية ونائب السكرتير الصحفي السابق للرئيس جورج بوش الابن لصحيفة واشنطن بوست، قائلاً: «كثيرون من مديري المال يسعدهم للغاية ما يقوم به وينظرون إلى الأمور بالطريقة نفسها. لترامب أنصار هنا أكثر مما يتخيله الناس فيما أعتقد».
لكن آخرين شعروا بالفزع في دافوس. فقد رأي «روبرت هابيك»، المشارك في قيادة حزب «الخضر» الألماني، أن ترامب «دمر التصور بالكامل» لمنتدى هذا العام بسخريته من خطر تغير المناخ وكل مساعي القطاع الخاص التي حشدها عبر المنتدى لمواجهة التحدي. وصرح هابيك لمجموعة صغيرة من الصحفيين: «لم أتوقع الكثير، لكن الكلمة كانت كارثة للمؤتمر ولفكرة المؤتمر. ولفكرة تعدد الأطراف ولنهج كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمية ورئيسه التنفيذي».
ورغم هذا، استمر التركيز على قضية المناخ ومناقشتها. ففي مقابلة مع «واشنطن بوست»، صرح باري جونستون، المشارك في تأسيس شركة «بيربوز يونيون» الاستشارية قائلاً: «كلمة الرئيس (ترامب) كانت خارجة تماماً عن السياق هذا الأسبوع في دافوس. في مكان آخر، انخرط ممثلون عن شركات وحكومات وجماعات المجتمع المدني في مناقشات عملية وملحة عن أزمة المناخ. يبدو أن ترامب مازال قائماً في العقد الماضي، بينما ينظر الجميع إلى العقد التالي».
لكن ربما يكون هناك زعماء آخرون مقيمون معه أيضاً في الماضي. ففي إفادة للصحفيين، قلل ماتياس كورمان وزير المالية الأسترالي، فيما يبدو، من نطاق حرائق الغابات غير المسبوقة في بلاده قائلاً إن النيران لم تحرق إلا 2% من مساحة البلاد. وفي جلسة بشأن التوقعات الاقتصادية في أميركا اللاتينية، صرح باولو جيديس وزير الاقتصاد البرازيلي وجيليرمو نيلسن المبعوث الخاص من حكومة الأرجنتين، أنه يروقهما أن يحاكيا نهج ترامب في استغلال ثروة بلادهما من الوقود الأحفوري غير المستغل. لكن في طابق آخر، وفي القاعة الرئيسية للمنتدى، استخدم خبراء في البيانات صور الأقمار الاصطناعية ليعرضا على شاشة عملاقة ما قد يحدث إذا واصلت توجهات ارتفاع الحرارة بمعدلها الحالي حتى نهاية القرن.

نقلا عن "الاتحاد"

جمعة, 24/01/2020 - 15:30