أي نظام حزبي؟

محمد فال ولد بلال

تنقسم الأنظمة الحزبية في العالم إلى نظامين: نظام تعددي ونظام آحادي.. وينقسم النظام التعددي إلى نظامين: نظام تنافسي ديمقراطي ونظام تعاوني تشاركي..
- النظام التنافسي الديمقراطي لا تؤسسه السلطة لوحدها كما لا تؤسسه المعارضة لوحدها…بل لا بدّ له من سلطة ومعارضة يتحركان في إطار ثنائية شائكة تقوم على التوافق والصراع في آن واحد؛ توافق على أساس ثوابت الأمّة كمرجعية لا يجوز الاختلاف عليها، وصراع فيما دون ذلك.. والمجتمعات الديمقراطية هي وحدها التي تستطيع استيعاب جدلية الوفاق والصراع معا بين السلطة والمعارضة، وتجسيدها على أرض الواقع بسلاسة. هي وحدها القادرة على إفراز سلطة تقوى على احترام المعارضة والتعامل معها دون الاختلاط بها.. ومعارضة قوية تحترم السلطة وتتعامل معها دون الذوبان والانصهار فيها.
هل تستطيع موريتانيا السيطرة على المعادلة الديمقراطية في العلاقة بين طرفي النظام بعد أن حققت التناوب؟
في الماضي كنا نعيش قطيعة تامة بين الفريقين؛ قطيعة تؤشر إلى مجال سياسي مغلق ومأزوم. كانت السلطة ترى في المعارضة عدوا للوطن يجب الاجهاز عليه، بل وتذهب إلى أن كل معارض عدو محتمل. وكانت المعارضة من جهتها ترى في السلطة شرا و نهبا و تخريبا يجب استئصاله ونفيه... والفريقان يقفان على طرفي نقيض.
والآن، يبدو أننا أمام وضع جديد يشير إلى تغيير مشهود في الممارسة السياسية عموما، وبداية تطبيع مشكور للعلاقة بين السلطة والمعارضة خصوصا.. بات من الواضح أن السلطة الجديدة تسعى إلى تجاوز مرحلة "القطيعة" و"الشد" و"التجريم" في تعاملها مع المعارضة.. والمعارضة بدورها بدأت تتعامل مع السلطة بقدر من "النعومة" و"الليونة".. وبهذا، نكون في طريقنا لتجاوز فخ "الصراع المطلق"، أي "الصراع بلا وفاق" المخالف لروح الديمقراطية. وهذا تقدم كبير يُحسب لجميع الفرقاء، وخاصة لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني. ولكن فخا آخر قد يعترض السبيل؛ وهو فخ "الوفاق المطلق"، أو "الوفاق بلا صراع"، والمناقض هو الآخر لجوهر وأساس الديمقراطية والتنمية.. البعض يخشى أن نذهب من حالة "صراع بلا وفاق" إلى حالة "وفاق بلا صراع"!
آخر الكلام، إن التعددية الديمقراطية تقتضي المنافسة والمنازلة بين السلطة والمعارضة على أساس اختلاف أو تمايز واضح في البرامج والرؤى ضمن منظومة أخلاقية وقانونية متفق عليها. ولا تقبل الاختلاط والانصهار بين طرفي النظام بقدر ما لا تقبل القطيعة المطلقة والعداوة بينهما.
- النظام التعددي التعاوني هو منزلة بين المنزلتين؛ بين منزلة الصراع المطلق ومنزلة الانصهار التام. وهو معروف باسم "نظام التعاون متعدّد الأحزاب" في بعض دول العالم، خاصة في جنوب شرق آسيا وأروبا الشرقية وبعض الدول الإفريقية..ويختلف عن نظام التعددية ونظام الحزبين كما هو الحال في الغرب، وعن نظام الحزب الواحد لكونه يجمع بين التعددية والتعاون الحزبي. ومن خصائصه البارزة كونه يستبدل المواجهة والمنافسة بالتعاون والتشاور والمراقبة المتبادلة بين الأحزاب مما يقلل الاحتكاكات الداخلية إلى الحد الأدنى، ويحمي الاستقرار والتضامن الاجتماعي والسياسي. ومن ميزاته استحداث مؤتمرات وندوات ومجالس وطنية استشارية تتعاون وتتشاور في إطارها الأحزاب والقوى الفاعلة في المجتمع تكون جامعة وحاضنة لكل ألوان الطيف السياسي والمدني دون تهميش أو أقصاء. وفي هذا الإطار التشاركي تستفيد الحكومة من حكمة الأحزاب والمنظمات والشخصيات مجتمعة، وتستعين بالمقترحات والتوصيات والانتقادات التي تساعدها على اتخاذ القرارات المناسبة.
وعلى كل حال، فإن الفعل السياسي الناجع يستوجب اعتماد نظام سياسي واضح المعالم: إمّا تعددي تنافسي، وإمّا تعددي تعاوني، وإمّا آحادي.. لأن الطبيعة تمقتُ الفراغ!
وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلاد والعباد.

خميس, 13/02/2020 - 20:35